وفيه إشكال لأن ظاهر كلام الفتى مذهب المرجئة القائلين بأن المعصية لا تضر مع الإيمان، كما أن الطاعة لا تنفع مع الكفر، وزعمهم أن الواحد من المكلفين إذا قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله، وفعل بعد ذلك سائر المعاصي لم يدخل النار أصلاً.
وتحقيق هذه المسألة بسطته في شرح الفقه الأكبر، وبينت فيه أن إمامنا هو الإمام الأعظم والهمام الأقدم من أهل السنة والجماعة فلا ينبغي أن يتوهم أن هذا الكلام من معاذ مرضي له، ومستحسن عنده.
ولعل تأويل كلام الفتى أن المعصية لا تضر ضرراً كلياً بحيث يبقى صاحبها في النار مخلداً ولا يدخل الجنة أبداً ولا بد من هذا التأويل في كلامه إذا لم يقل أحد من الصحابة بالإرجاء، بل أول من قال به الحسن بن محمد بن الحنفية بن علي بن أبي طالب على ما ذكره الدلجي في شرح الشفاء هذا.
ووقع في الغنية (١) للقطب الرباني السيد عبد القادر الجيلاني أنه لما ذكر الفرق الضالة قال: وأما الحنفية ففرقة من المرجئة وهم أصحاب أبي حنيفة نعمان بن ثابت زعم أن الإيمان هو الإقرار والمعرفة بالله ورسوله وبما جاء من عنده جملة على ما ذكره البرقي هو في كتاب الشجرة انتهى، فقال بعض المحدثين: أدخل هذه الجملة في أثناء كلام الشيخ مع أن الإيمان هو المعرفة الناشىء عند التصديق سواء تكون تلك المعرفة صادرة عن الدليل والتصديق أو خارجة عن التحقيق، لكنها وقعت تقليداً لبعض أرباب التحقيق والتوفيق والاستدراك مقابلة لنعمة المعرفة بالله هو الجهل به، وينشأ عنه جميع أنواع الكفر ثم الإقرار بشرط أو شطر على خلاف بين علماء أهل السنة والجماعة، ولعل الشيخ لما كان معتقده أن الإيمان قول باللسان، ومعرفة بالجنان، وعمل بالأركان كما بينه في الغنية.
(١) ما وقع في الغنية من نسبة الإرجاء إلى الحنفية، ليس من كلام وحضرة الغوث الأعظم، بل إدراج.