أبو حنيفة، رحمه الله تعالى، (عن الهيثم بن حبيب الصرفي) أحد التابعين الأجلاء (عن أنس بن مالك، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لليلتين اختلتا) أي بقيتا من شهر رمضان (من المدينة) متعلق بخرج (إلى مكة) أي يقصد فتحها (فصام حتى أتى قديداً) وهو بالتصغير، موضع بين الحرمين (مشى الناس إليه الجهد) بضم الجيم، وفتحها، أي المشقة من جهة الصوم في تلك الحالة، حيث لا يمكنهم مخالفته عليه السلام في العمل بالرخصة، وترك العزيمة (فأفطر) لما رأى بهم من الضرورة (فلم يزله بمفطر حتى أتى مكة) وفيه تنبيه على أن الصوم في السفر أفضل، لمن يكون له قوة، كما يشير إليه إطلاق قوله سبحانه وتعالى:{وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ}(١).
وأما حديث "لَيْسَ مِنَ البِرِّ الصَّوْمُ فِي الْسَّفَر" فمحمول على حالة الضعف والضرورة، والحديث رواه عبد الرزاق في جامعه، ولفظه:"خرج رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح في شهر رمضان حتى مر بقديد في الطريق، وذلك في نحو الظهيرة، فعطش الناس، فجعلوا يمدون أعناقهم، وتتوق أنفسهم إليه، فدعى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدح ماء، فأمسكه على يده حتى رآه الناس ثم شرب، فشرب الناس".
وَرَوَى أيقد، عن أبي جعفر، قال: لما أن كان النبي صلى الله عليه وسلم مخرجه للفتح بعسفان، أو بالكديد، نُووِلَ قدحاً، وهو على راحلته في شهر رمضان، فجعلت