للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يا معلّم نريد أن نرى منك آية. فأجاب وقال لهم: جيل شرير وفاسق يطلب آية، ولا تعطى له آية إلا آية يونان النبي" (متى ١٢/ ٣٨ - ٣٩).

واليهود ولا ريب يبحثون عن آية تدل على نبوته التي يدعوهم إلى الإيمان بها، ولو كان ما يدعو إليه الألوهية لما رضوا منه بمثل آية يونان، بل ولطالبوه بآيات أعظم من آية يونان، وغيره من الأنبياء.

وفيما أحد الفريسيين يرقب المسيح متشككاً بنبوته تقدمت إليه امرأة خاطئة باكية تمسح رجليه بشعرها، تقبلهما وتدهنهما بالطيب، "فلما رأى الفريسي الذي دعاه ذلك، تكلم في نفسه قائلاً: لو كان هذا نبياً لعلم من هذه المرأة التي تلمسه؟ وما هي؟ إنها خاطئة" (لوقا ٧/ ٣٩). لقد استنكر في نفسه نبوة - لا ألوهية - هذا الذي يجهل حال الخاطئة، مما يؤكد أن دعواه - عليه السلام - بينهم إنما كانت النبوة فحسب، يقول الأب متى المسكين: "فالفريسي إذ رأى المسيح يتقبل من المرأة ما صنعته به أخذها شهادة ضد المسيح أنه ليس نبياً كما كان يذاع عنه". (١)

ولما أراد اليهود قتله، كانت جريمته عندهم دعواه النبوة، لا الربوبية، فقد قالوا لنيقوديموس: "ألعلك أنت أيضاً من الجليل؟ فتّش وانظر. إنه لم يقم نبي من الجليل" (يوحنا ٧/ ٥٢)، إنهم يكذبونه في دعواه النبوة، وهو من الجليل التي لم يسبق أن أتى منها نبي.

والشيطان أيضاً لم ير في المسيح أكثر من كونه بشراً، فاجترأ عليه محاولاً غوايته، لذلك فقد حصره في الجبل أربعين يوماً من غير طعام ولا شراب، وهو في ذلك يمتحنه ويمنيه بإعطائه الدنيا في مقابل سجدة واحدة له "أخذه أيضاً إبليس إلى جبل عال جداً،


(١) الإنجيل بحسب القديس لوقا (دراسة وتفسير وشرح)، الأب متى المسكين، ص (٣٣١).

<<  <   >  >>