للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إذ كما لم يجدوا في العهد الجديد ما يؤكد قول بولس بأن الإله قد تجسد، أيضاً لم يجدوا في هذه الأسفار تبريراً له.

وقد انحصرت إجاباتهم في أقوال، أهمها:

أولها: أن هذا السر لا نفهمه، وينبغي أن نؤمن به.

ثانيها: أن التجسد كان لردم الهوة بين الله والبشرية وإيناسها برؤية الإله - كما سيمر معنا في كلام البابا أثناسيوس-.

ثالثها: أن التجسد كان طريقة لرد الناس لعبادة الله بعد أن عبدوا المخلوقات والمصنوعات، وتركوا الخالق وهجروا عبادته، فتجسد الله ليعبده الناس، يقول (القديس) أفرام: "إن الله رأى أننا (أي البشر) عبدنا المصنوعات، ولذلك لبس جسداً مصنوعاً، ليقتنصنا به ونتعبد له" (١).

رابعها: أن التجسد كان ضرورة للتوفيق بين عدل الله ورحمته، حيث اقتضى عدل الله موت البشرية وتسلط الموت عليها واقتضت رحمته حياتها، فكان المسيح كبش الفداء.

وفي ذلك يقول البابا أثناسيوس وهو أحد أهم رجال مجمع نيقية: "لهذا كان أمام كلمة الله أن يأتي بالإنسان الفاسد إلى عدم فساد، وفي نفس الوقت أن يؤمن مطالب الأب العادل المطالب به الجميع، وحيث إنه هو كلمة الأب ويفوق الكل، فكان هو وحده الذي يليق بطبيعته أن يجدد خلقه كل شيء وأن يتحمل الآلام عن الجميع لدى الآب .. لأجل ذلك نزل إلى عالمنا كلمة الله الخالي من الجسد، العديم الفساد وغير المادي .. وإذ لم يتحمل أن يرى الموت تصير له السيادة لئلا تفنى به الخليقة، وتذهب


(١) الرأي الصريح في طبيعة ومشيئة المسيح، القمص غبريال عبد المسيح، ص (٥٩).

<<  <   >  >>