صنعه أبيه في البشر هباء، فقد أخذ لنفسه جسداً لا يختلف عن جسدنا .. لأنه لو لم يكن الرب مخلص الجميع ابن الله قد جاء إلينا وحل بيننا ليوفي غاية الموت، لكان الجنس البشري قد هلك".
ثم ماذا بعد موت المسيح هل تغير حال البشر فلم يعد الموت متسلطاً عليهم؟
فيجيب أثناسيوس: "بحسد إبليس دخل الموت إلى العالم .. وعندما تم ذلك بدأ البشر يموتون، وصار عليهم من الفساد في ذلك الوقت فصاعداً، وصار له سلطان على الجنس البشري أكثر من سلطانه الطبيعي، لأنه أتى نتيجة تهديد الله في حال العصيان".
لكنا لم نعرف ما هو السلطان الطبيعي للموت؟ ولا ندري ما الفرق بين موت الناس قبل المسيح وبعده .. كما يحق لنا أن نتساءل هنا عن سر تسلط الموت على غيرنا كأنواع الحيوانات المختلفة.
كما يذكر أثناسيوس سبباً آخر للتجسد - وهو الإيناس الذي ذكرناه قبلُ - فيقول: "عندما خلق الله الضابط للكل الجنس البشري بكلمته، ورأى ضعف طبيعتهم، وأنها لا تستطيع من نفسها أن تعرف خالقها، أو أن تكون فكرة عن الله على الإطلاق .. لهذا تحنن الله على الجنس البشري على قدر صلاحه ولم يتركهم خالين من معرفته، لئلا يروا أن لا منفعة على الإطلاق من وجودهم في الحياة" (١).
لقد كان الهدف من التجسد إذاً أن تأنس البشرية برؤية ومعرفة ربها وأن تنهدم الهوة الواسعة بين الخالق والمخلوق، وهو ما عبر عنه سنوت في كتابه "المسيحية الأصلية" حيث يقول: "توجد فقط هوة واسعة لا حد لها ... ولو لم يكن الله بادر
(١) انظر: المسيح في القرآن والتوراة والإنجيل، عبد الكريم الخطيب، ص (١٥٨ - ١٦٠)، وتجسد الكلمة، البابا أثناسيوس، ص (١٥ - ٢٤).