وتدراك الأمر لبقيت الحالة على ما هي عليه، ولظل الإنسان بلا رجاء يتخبط في دياجير اللا إرداية، ولكن الله تكلم، ولقد بادر وأعلن عن نفسه" (١).
وهنا يتساءل الدكتور عبد الكريم الخطيب: كيف كانت صلة الأنبياء بربهم مع هذه الهوة؟ هل عرفوا ربهم المعرفة التي تدفعهم لعبادته وطاعته؟ أم كان إيمانهم باهتاً؟ وماذا تغير في حياة البشرية بعد تجسد الإله؟ هل آمن الناس وعرفوا ربهم؟ وهل زال الإلحاد من البشرية؟
ثم أين الإيناس للبشرية في رؤيتها للرب وهو يصفع ويضرب ويجلد. إن هذا من شأنه أن يقلل من مقام الألوهية عندهم، فالنفس البشرية طلعة تتوقد أشواقها إلى المجهول، وتتحرك نزعاتها إلى عالم الغيب، فإذا انكشف لهم المجهول أو ظهر لهم ما وراء الغيب سكنت نزعاتها وبردت أشواقها نحو هذا الشيء الذي كانت تسعى إليه وتجدُّ في البحث عنه.
ثم ماذا عن باقي أجيال البشرية التي لم تأنس بمعرفة هذا المتجسد. هل من العدل أن تحرم منه؟ وكيف لها أن تعرف ربها ولم تراه؟!
ثم لم كان أنسنا بالإله حال طفولته وشبابه فقط، ولم نأنس به أيضاً حال كهولته وهرمه. فلماذا؟!
وهكذا يرفض المسلمون هذه التبريرات المتهافتة التي تسيء إلى عظمة الله، وتجعله عاجزاً عن العفو والغفران، حائراً بين عدله ورحمته، ومثل هذا لا يقع به الحكماء من الناس فضلاً عن رب العالمين، أو تظهره عاجزاً عن هداية خلقه إلى عبادته إلا بموافقتهم على ما ألفوه من صور الشرك.
(١) المسيح في القرآن والتوراة والإنجيل، عبد الكريم الخطيب، ص (١٣٠ - ١٣٢، ١٦٠ - ١٧٠).