للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(مرقس ١٢/ ٣٦)، ومثله "وامتلأ زكريا أبوه من الروح القدس" (لوقا ١/ ٦٧)، وقال بطرس: " أيها الرجال الإخوة، كان ينبغي أن يتم هذا المكتوب الذي سبق الروح القدس فقاله بفم داود " (أعمال ١/ ١٦)، وقد سمى الله الأنبياء وما يأتون به من الوحي روح القدس فقال موبخاً لبني إسرائيل: " يا قساة الرقاب وغير المختونين بالقلوب والآذان، أنتم دائماً تقاومون الروح القدس، كما كان آباؤكم كذلك أنتم، أيُّ الأنبياء لم يضطهده آباؤكم؟! " (أعمال ٧/ ٥١)، وسمى يوحنا الأنبياء أرواحاً، وهذه الأرواح من الله: "أيها الأحباء لا تصدقوا كل روح، بل امتحنوا الأرواح هل هي من الله، لأن انبياء كذبة كثيرين قد خرجوا إلى العالم" (يوحنا (١) ٤/ ١).

٣ - كما يطلق هذا اللفظ (الروح القدس، روح الله) على ما يعطيه الله من قوة وتأييد وفهم وحكمة للأنبياء وغيرهم، ومنه قول المسيح - عليه السلام -: "كنت أنا بروح الله أخرج الشياطين" (متى ١٢/ ٢٨) أي بقوة الله، ومثله قول فرعون لعبيده، وهو يبحث عن رجل حكيم: "هل نجد مثل هذا رجلاً فيه روح الله" (التكوين ٤١/ ٣٨)، أي حكمة إلهية أعطاه الله إياها كما أعطي سليمان الحكيم، ومثله كذلك ما جاء في سفر النبي حجي: "روحي قائم في وسطكم. لا تخافوا" (حجي ٢/ ٥)، أي قوتي وتأييدي.

وقريباً من هذا المعنى يطلق لفظ (الروح القدس)، ويراد به الخيرات الإلهية التي يسديها الله لعباده كما في قول المسيح: "فإن كنتم وأنتم أشرار تعرفون أن تعطوا أولادكم عطايا جيدة، فكم بالحري أبوكم الذي في السموات يهب خيرات للذين يسألونه" (متى ٧/ ١١)، وقد سمى لوقا هذه الخيرات (الروح القدس) وهو ينقل ذلك القول الذي قاله المسيح "فإن كنتم وأنتم أشرار تعرفون أن تعطوا أولادكم عطايا جيدة، فكم بالحري الآب الذي من السماء يعطي الروح القدس للذين يسألونه" (لوقا ١١/ ١٣)، فالروح القدس هو الخيرات التي يهبها الله للذين يسألونه.

ومثل هذا المعنى ورد في قول لوقا: "كان الرجل في أورشليم اسمه سمعان، وهذا الرجل كان باراً تقياً ينتظر تعزية إسرائيل، والروح القدس كان عليه" (لوقا ٢/ ٢٥) أي خيرات الله، وكذلك أيد روح القدس أي خير الله وتأييده التلاميذ في اليوم الخمسين "فامتلأ الجميع من الروح القدس، وابتدؤوا يتكلمون بألسنة أخرى كما أعطاهم الروح أن ينطقوا" (أعمال ٢/ ٤)، وقدا فسر (القديس) الشهير يوحنا ذهبي الفم هذا النص في مقالته الثانية والسبعين في تفسير إنجيل يوحنا بقوله: " إن الروح القدس من الآب ينبثق والروح الذي أعطاه المسيح للرسل عندما نفخ فيهم والذي حل عليهم يوم العنصرة لم يكن جوهر الروح ولا أقنومه بل مواهبه" (١)، والذهبي الفم يؤمن - كسائر المسيحيين - بتميز بألوهية أقنوم الروح القدس، وتميزه عن الآب والابن، لكنه يفسر لفظة الروح القدس الواردة في (أعمال ٢/ ٤) بالمواهب التي ينسبها إليه.

٤ - الرياح الشديدة، ومنه قول التوراة وهي تصف الريح المدمرة: "يبس العشب، ذبل الزهر، لأن روح الرب هب عليه" (إشعيا ٤٠/ ٧)، وهو ينطبق على ما جاء في مقدمة سفر التكوين "وروح الله يرف على وجه الماء" (التكوين ١/ ١ - ٢)، فإن في ترجمته لبساً أوهم هذا الخلط، فالنص كما ينقل الناقد الكبير اسبينوزا عن مفسري اليهود، يقصد منه رياح عظيمة أتت من عند الله، فبددت ظلمات الغمر.

ونسبة الروح إلى الله في هذين النصين وأمثالهما نسبة تعظيم وتشريف، لا نسبة تأليه، وهي كقوله: "جبال الله" (المزمور ٣٦/ ٦).


(١) انظر موسوعة الخادم القبطي، نقلاً عن الكتاب النفيس "نفي ألوهية الروح القدس" الذي كتبه أخي الأستاذ علي الريس، ص (٥٥)، كما نقل مثله عن البابا أثناسيوس.
ومما نبه عليه الأستاذ علي في كتابه القيم ورود استخدام الروح غير المنسوبة إلى الله في الكتاب المقدس بمعنى القوة والتأييد والفهم والحكمة، كما في قوله:"ولم تبق فيهم روح بعدُ" (هوشع ٥/ ١)، أي لم تبق لهم قوة، وكذلك قوله: "أجبني يا رب، فنيت روحي، لا تحجب وجهك عني" (المزمور ١٤٣/ ٧)، أي فنيت قوتي، وكذلك قوله: "لم يبق فيها روح بعد" (ملوك (١) ١٠/ ٥).

<<  <   >  >>