للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لكن جميع المعاني التي ذكرناها قبلُ للروح القدس غير مرادة عند مؤلهي روح القدس، الذين لا يوافقون على كونه مجرد قوة أو تأثير أو ملاك من الله، فالروح القدس وفق المفهوم النصراني إله، إنه ثالث أطراف الثالوث الأقدس، فمن هو الروح القدس وفق مفهومهم؟ وما أدلة النصارى على تأليهه؟ ومتى تمّ ذلك؟

في عام ٣٨١م وبأمر الامبرطور تاؤديوس انعقد مجمع القسطنطينية للنظر في قول الأسقف مكدونيوس أسقف القسطنطينية الأريوسي، والذي كان ينكر ألوهية الروح القدس ويقول بما تقوله الأسفار عن الروح القدس: "إن الروح القدس عمل إلهي منتشر في الكون، وليس أقنوماً متميزاً عن الأب والابن"، وكان يقول عنه: إنه كسائر المخلوقات، ويراه خادماً للابن كأحد الملائكة.

وقد حضر المجمع مائة وخمسون أسقفاً، وقرروا حرمان مكدونيوس وتجريده من وظائفه الكنسية، واتخذوا أحد أهم قرارات المجامع الكنسية، وهو تأليه الروح القدس، واعتبروه مكملاً للثالوث الأقدس، وقالوا: "ليس روح القدس عندنا بمعنى غير روح الله، وليس الله شيئاً غير حياته، فإذا قلنا أن روح القدس مخلوق فقد قلنا: إن الله مخلوق" (١).

ويقول القس يسّى منصور: " إن الروح القدس هو الله الأزلي، فهو الكائن منذ البدء قبل الخليقة، وهو الخالق لكل شيء، والقادر على كل شيء، والحاضر في كل مكان، وهو السرمدي غير المحدود ".

ويقول في موضع آخر راداً على الأسقف مكدونيوس: "إن الروح القدس هو الأقنوم الثالث في اللاهوت، وهو ليس مجرد تأثير أو صفة أو قوة، بل هو ذات حقيقي، وشخص حي، وأقنوم


(١) انظر: الخريدة النفيسة في تاريخ الكنيسة، الأنبا ايسذورس (١/ ٤٤٣)، وتاريخ الكنيسة القبطية، منسى يوحنا، ص (٢٧٦)، ويا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء، رؤوف شلبي، ص (٢١٨ - ٢٢١).

<<  <   >  >>