للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على جحش أهم من ذكر التثليث، فلم يذكره سوى متى؟

بل إن خاتمة إنجيل مرقس نقلت ذات الوصية التي أوصاها للتلاميذ فلم تذكر صيغة التثليث التي انفرد بذكرها متى، حيث يقول مرقس: "وقال لهم: اذهبوا إلى العالم أجمع، واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها، من آمن واعتمد خلص، ومن لم يؤمن يدن" (مرقس ١٦/ ١٥)، وهذا دال على إلحاقية نص التثليث وعدم أصالتها.

وهذه الفقرة دخيلة بدليل قول علماء الغرب أيضاً، يقول المؤرخ الإنجليزي ويلز في كتابه "معالم تاريخ الإنسانية": "ليس دليلاً على أن حواريي المسيح اعتنقوا التثليث".

ويقول أدولف هرنك في كتابه "تاريخ العقيدة": "صيغة التثليث هذه التي تتكلم عن الآب والابن والروح القدس، غريب ذكرها على لسان المسيح، ولم يكن لها وجود في عصر الرسل ... كذلك لم يرد إلا في الأطوار المتأخرة من التعاليم النصرانية ما يتكلم به المسيح وهو يلقي مواعظ ويعطي تعليمات بعد أن أقيم من الأموات، إن بولس لا يعلم شيئاً عن هذا " (١)، إذ هو لم يستشهد بقول ينسبه إلى المسيح يحض على نشر النصرانية بين الأمم.

ويؤكد عدم أصالة هذه الفقرة مفسرو الكتاب المقدس ومؤرخو المسيحية كما نقل ذلك المطران كيرلس سليم بسترس - رئيس أساقفة بعلبك وتوابعها للروم الكاثوليك - بقوله: "يرجّح مفسرو الكتاب المقدس أنّ هذه الوصية التي وضعها الإنجيل على لسان يسوع ليست من يسوع نفسه، بل هي موجز الكرازة التي كانت تُعِدُّ الموعوظين للمعمودية، في الأوساط اليونانية. فالمعمودية في السنوات الاولى للمسيحية كانت تعطى (باسم يسوع المسيح) (أع ٢/ ٣٨؛ ١٠/ ٤٨) أو (باسم الرب يسوع) (أع ٨/ ١٦؛ ١٩/ ٥) .. من هنا يرجّح المؤرخون أن صيغة المعمودية الثالوثية هي موجز للكرازة التي كانت تُعِدُّ للمعمودية. وهكذا توسّع استدعاء اسم يسوع ليشمل أبّوة الله وموهبة الروح القدس" (٢).

وحين نقل المؤرخ يوسابيوس القيصري هذه الفقرة من إنجيل متى لم يذكر فيها الآب ولا الروح القدس، بل قال: "فقد ذهبوا إلى كل الأمم ليكرزوا بالإنجيل معتمدين على قوة المسيح الذي قال لهم: (اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم باسمي) " (٣).

ومما يؤكد هذا أن المخطوطات العبرية المكتشفة حديثاً لإنجيل متى - الذي كتب أصلاً بالعبرانية - ليس فيها هذا النص، وهذا الأمر اعتبره الدكتور ج ريكارت - أستاذ اللاهوت في الكلية الإرسالية الإنجيلية ( Kaufman, Texas) في كوفمان في ولاية


(١) انظر: مسيحية بلا مسيح، كامل سعفان، ص (٦٦)، المسيح في مصادر العقائد المسيحية، أحمد عبد الوهاب، ص (٦١)، عقائد النصارى الموحدين بين الإسلام والمسيحية، حسني الأطير، ص (٩٢).
(٢) اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر، المطران كيرلس سليم بسترس (٢/ ٤٨).
(٣) تاريخ الكنيسة، يوسابيوس القيصري، ص (١٠٠).

<<  <   >  >>