والمؤمنون بالمسيح - عليه السلام - جميعاً مولودون من فوق بما أعطاهم الله من الإيمان، فهم كسائر المؤمنين كما قال المسيح:"الحق الحق أقول لكم: إن كان أحد لا يولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله"(يوحنا ٣/ ٣).
وكذا قال:"كل من يؤمن أن يسوع هو المسيح، فقد ولد من الله"(يوحنا (١) ٥/ ١)، فكل "من يصنع البر مولود منه"(يوحنا (١) ٢/ ٢٩).
وقول المسيح - عليه السلام -: " أما أنا فلست من هذا العالم " ليس دليلاً على الألوهية بحال، فمراده اختلافه عن سائر البشر باستعلائه على العالم المادي، بل هو من فوق ذلك الحطام الذي يلهث وراءه سائر الناس.
وقد قال مثل هذا القول في حق تلاميذه أيضاً بعد أن لمس فيهم حب الآخرة والإعراض عن الدنيا، فقال:" لو كنتم من العالم لكان العالم يحب خاصته، لكن لأنكم لستم من العالم، بل أنا اخترتكم من العالم، لذلك يبغضكم العالم"(يوحنا ١٥/ ١٩).
وفي موضع آخر قال عنهم:" أنا قد أعطيتهم كلامك، والعالم أبغضهم، لأنهم ليسوا من العالم، كما أني لست من العالم"(١٧/ ١٤ - ١٥)، فقال في حق تلاميذه ما قاله في حق نفسه من كونهم جميعاً ليسوا من هذا العالم، فلو كان هذا على ظاهره، وكان مستلزماً الألوهية، للزم أن يكون التلاميذ كلهم آلهة، لكن تعبيره في ذلك كله نوع من المجاز، كما يقال: فلان ليس من هذا العالم، يعني أنه لا يعيش للدنيا ولا يهتم بها، بل همُّهُ دوماً رضا الله والدار الآخرة.