للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأكدت الآيات نجاته من الصلب مرة أخرى في قوله: {ومطهرك من الذين كفروا} (آل عمران: ٥٥)، وقوله: {ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين} (آل عمران: ٥٤).

ويذكر القرآن مصير عيسى - عليه السلام - بعد نجاته من المؤامرة {إني متوفيك ورافعك إلي} (آل عمران: ٥٥)، وقوله: {بل رفعه الله إليه} (النساء: ١٥٨)، والوفاة المذكورة في الآية تحتمل معان في لغة العرب، منها الموت، ومنها النوم، ولا يمكننا الجزم بأي المعنيين، وإن مال الكثيرون من أهل العلم إلى الثاني.

ويشهد لصحة هذا الرأي في فهم الآية ما يذكره القرآن من نزوله آخر الزمان وإيمان أهل الكتاب به {وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته} (النساء: ١٥٩)، فنزوله سيكون آخر الزمان، وهو علامة على انقضائه {وإنه لعلم للساعة فلا تمترن بها} (الزخرف: ٦١).

وذكرت في سياق معجزاته صلى الله عليه وسلم أنه {يكلم الناس في المهد وكهلاً} (آل عمران: ٤٦)، وليس في كلام الكهل إعجاز إلا إذا كان صاحبه قد رفع إلى السماء ولما يبلغ بعد سن الكهولة، أي أنه سيعود مرة أخرى، ويكلم الناس حال كهولته.

وأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - عن نزول أخيه المسيح - عليه السلام - قبيل الساعة وعن كسره للصليب، وأنه - عليه السلام - لا يقبل من الأديان غير الإسلام، وأنه يبقى في الأرض أربعين سنة، ثم يموت كسائر الناس، فيصلي عليه إخوانه المسلمون، قال - صلى الله عليه وسلم -: ((ليس بيني وبينه نبي، وإنه نازل، فإذا رأيتموه فاعرفوه، رجل مربوع إلى الحمرة والبياض، بين مُمَصَّرَتين [أي ملابسه فيها صُفرة خفيفة]، كأن رأسه يقطر، وإن لم يصبه بلل، فيقاتل الناس على الإسلام، فيدق الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويهلك الله في زمانه الملل كلها إلا الإسلام، ويُهلِك المسيحَ الدجال، فيمكثُ في الأرض أربعين سنة، ثم يتوفى، فيصلي عليه المسلمون)) (١).


(١) رواه أبو داود ح (٣٧٦٦).

<<  <   >  >>