وحذرت الآيات القرآنية من الغلو في عيسى عليه السلام، واعتبرته من التقول الباطل على الله عز وجل {يا أهل الكتاب لا تغلو في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه}(النساء: ١٧١)، فهذه هي حقيقة المسيح التي أوضحها القرآن في مواضع كثيرة منه {ذلك عيسى ابن مريم قول الحقّ الّذي فيه يمترون - ما كان لله أن يتّخذ من ولد سبحانه إذا قضى أمراً فإنّما يقول له كن فيكون}(مريم: ٣٣ - ٣٤)، فقد خلقه الله بكلمته، وحاشا لله أن يتخذه أو غيرَه ولداً.
والمسيح عليه السلام لم يدع ألوهية نفسه قط، بل إنه يبرأ يوم القيامة من كل المشركين الزاعمين ألوهيته، وذلك حين يسأله الله على رؤوس الأشهاد:{أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب - ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم}(المائدة: ١١٦ - ١١٧)، فتنكس الرؤوس حينئذ ولا تنفع الحسرات، ولا تنقطع التأوهات.
هذه هي الحقيقة فحسب، وما لذا فإن مذاهب النصارى فيه زور وافتراء {ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون}(مريم: ٣٤)، ومن افترائهم قولهم الذي كفرهم الله به ببنوة المسيح لله:{وقالت النّصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم}(التوبة: ٣٠)، كما ذمّت الآيات قول آخرين بأنه هو الله:{لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم قل فمن يملك من الله شيئاً إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعاً}(المائدة: ١٧).
وهكذا فإن إيمان المسلم بهذا النبي العظيم ركن من أركان الإيمان، لا يقبل الله عبداً إلا به {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله}(البقرة: ٢٨٥)، عليهم صلوات الله وسلامه أجمعين.