"فتنهد بروحه، وقال: لماذا يطلب هذا الجيل آية؟ الحق أقول لكم: لن يعطى هذا الجيل آية، ثم تركهم ودخل السفينة ومضى"(مرقس ٨/ ١١ - ١٣).
ولما تكاثرت جموع اليهود عليه تطلب آية لم يجبهم إلى طلبهم، بل قال:"جيل شرير وفاسق يطلب آية، ولا تعطى له آية"(متى ١٢/ ٣٨ - ٣٩)، فلم يظهر لهم في ذلك الموطن معجزة.
ثم لو كان ما يصدر من المسيح من آيات تدل على ألوهيته فلِمَ يأمر بإخفائها، وهي السبيل الذي يدل الناس على حقيقته؟ فقد قال المسيح للأبرص لما شفاه "انظر، لا تقل لأحد شيئاً"(مرقس١/ ٤٤). ولما شفى الأعميان قال:"انظرا، لا يعلم أحد"(متى ٩/ ٣١).
وقال للأعمى الثالث لما شفاه:"لا تدخل القرية، ولا تقل لأحد في القرية"(مرقس ٨/ ٢٦).
وتكرر منه ذلك "فعلم يسوع وانصرف من هناك، وتبعته جموع كثيرة فشفاهم جميعاً، وأوصاهم أن لا يظهروه"(متى ١٢/ ١٥ - ١٦)، فالمسيح - عليه السلام - بإخفائه للمعجزات يريد أن لا ينشغل الناس بالمعجزات عن دعوته وجوهرها، ولو كانت دليل ألوهيته لوجب أن ينبههم إلى ذلك.
المعجزات لا تدل - حسب الكتاب المقدس- على النبوة فضلاً عن الألوهية
والعجب - كل العجب - أن يعتبر النصارى معجزات المسيح - عليه السلام - دالة على ألوهيته، والكتاب مصرح بقدرة غيره من البشر على صنع مثل هذه المعجزات العظيمة، من غير أن يكون ذلك دالاً على ألوهية هؤلاء.
فقد أثبت الكتاب هذه المعجزات وما هو أعظم منها لكل المؤمنين بالمسيح، فقال:"الحق أقول لكم: من يؤمن بي، فالأعمال التي أنا أعملها يعملها هو أيضاً، ويعمل أعظم منها"(يوحنا ١٤/ ١٢)، أي يستطيع المؤمنون شفاء المرضى بل ويستطيعون إحياء الموتى،