للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مشهورين. فللشخص الذي تقع يده على شيء من هذا أن يرويه عن الشيخ على سبيل الحكاية، فيورد إسناد الحديث كما وجده ويقول: وجدت بخط فلان، أو بخط يغلب على ظني أنه خط فلان، أو في الصحيح المشهور، ويسوق الحديث مثلما كان يصنع عبد الله بن أحمد بن حنبل، فإنه كان كثيرًا ما يقول: «وَجَدْتُ بِخَطِّ أَبِي: حَدَّثَنَا فُلاَنٌ ... » الخ السند والمتن (١).

ولا يجوز أن يقول الراوي عند أدائه: عن فلان، أو حدثنا أو أخبرنا فلان أو سمعت منه، أو وجدت بخطه و «شَاكٌّ فِي ذَلِكَ» فهذا كله تدليس قبيح إذا كان بحيث يوهم سماعه (٢)، وله أن يقول: «قَالَ فُلاَنٌ، أَوْ بَلَغَنِي أَنَّ فُلاَنًا قَالَ، أَوْ كَتَبَ الشَّيْخُ بِخَطِّهِ، أَوْ أَمَرَ مَنْ يَكْتُبُ لَهُ»، ومن هنا نُقَدِّرُ مدى الخطأ الذي يقع فيه كثير من كُتَّابِنَا وَمُؤَرِّخِينَا المعاصرين حين يقولون في كتبهم أو في أحاديثهم العادية: حَدَّثَنَا الطبري أو ابن حجر أو الحافظ العراقي مثلاً (٣).

وَالوِجَادَةُ - حين تُفْهَمُ على وجهها الصحيح - لا يجوز الشك بقيمتها صورة من صور التحمل، فجميع ما ننقله اليوم من كتب الحديث الصحيحة ضرب من «الوِجَادَةِ» لأن حُفَّاظَ الحديث عن طريق التلقين والسماع أصبحوا نادرين جِدًّا في حياتنا الإسلامية بعد أن انتشرت الطباعة وأضحى الرجوع إلى أمهات كتب الحديث سهلاً ميسورًا. وقد سبق أن جزم ابن الصلاح بأن مذهب وجوب العمل بالوجادة «هُوَ الَّذِي لاَ يَتَّجِهُ غَيْرُهُ فِي الأَعْصَارِ الْمُتَأَخِّرَةِ،


(١) قارن بـ " التدريب ": ص ١٤٨، ١٤٩.
(٢) " علوم الحديث " لابن الصلاح: ص ١٦٨.
(٣) " الباعث الحثيث ": ص ١٤٤.