للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتعديل آخر، أو على تَوْهين الشخص نفسه لعلة خفية تارة وتوثيقه لأمور كثيرة يقدِّرُها تارة أخرى (١).

الرِّحْلَةُ فِي طَلَبِ الحَدِيثِ:

وما كان لِلْرُوَّاةِ - تجاه هذا التفرد الإقليمي في الرواية - أنْ يقنعوا بأخذ العلم من أهل بلدهم (٢)، ولا يأخذه من المدينة وحدها سواء أكانت بعيدة عن مصرهم أم قريبة منه، فأصبحت الرحلة في طلب الحديث إلى البلاد النائية أشهى أمانيهم، فبها استطاعوا أنْ يتلقوا العلم من أفواه الرعيل الأول من الرُواة، وبها تحقق لهم ما كانوا يعتقدونه من أنَّ «حُصُولَ المَلَكَاتِ عَنْ المُبَاشَرَةِ وَالتَّلْقِينِ أَشَدُّ اسْتِحْكَامًا وَأَقْوَى رُسُوخًا» (٣).

ولقد بدأ طلب العلم بالمشافهة في القرن الهجري الأول، فكان الصحابي الجليل أبو الدرداء (٤) يقول: «لَوْ أَعْيَتْنِي آيَةٌ فِي كِتَابِ اللهِ فَلَمْ أَجِدْ أَحَدًا


(١) وذهب الإمام أحمد في الاختلاف حول زهير بن محمد مذهباً آخر فقال: «كان زهير بن محمد الذي وقع عندهم ليس الذي يروى عنه بالعراق، كأنه رجل آخر قلبوا اسمه» " سنن الترمذي ": ١/ ٦٠.
(٢) وإن كان العلماء يستحبُّون للطالب الاقتصار على حديث بلده وتمهره في معرفته إذا كان المقصود من الرحلة متحقِّقاً بين علماء عصره. قال الخطيب البغدادي: «المقصود في الرحلة في طلب الحديث أمران أحدهما تحصيل علو الإسناد وقدم السماع، والثاني لقاء الحفاظ والمذاكرة لهم والاستفادة عنهم، فإذا كان الأمران موجودين في بلد الطالب ومعدومين في غيره فلا فائدة في الرحلة، والاقتصار على ما في البلد أولى» " الجامع لأخلاق الراوي ": ٩ / ورقة ١٦٧ وجه ٢.
(٣) " مقدمة ابن خلدون ": ص ٥٤١ ط. مصطفى محمد بالقاهرة، بلا تاريخ.
(٤) واسم هذا الصحابي الجليل عويمر بن زيد تُوُفِّيَ سَنَةَ ٣٢ هـ.