للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في وقت النهي العام لا يعارض القول بالنسخ لأنَّ إبطال المنسوخ بالناسخ لا علاقة له ولا تأثير في تخصيص بعض أفراد العام قبل نسخه. وعلى هذا الأساس نجمع بين الآراء والتوجيهات المختلفة التي يُخيَّلُ إلى الباحث السطحي أنها متضاربة، مع أنَّ التوفيق بينها سهل مُيَسَّرٌ كما رأينا، فالعبرة بما انتهى إليه الموضوع آخر الأمر واستقرَّتْ عليه الأُمَّةُ، وهو اتفاق الكلمة بعد الصدر الأول على جواز كتابة الأحاديث. ولقد قال ابن الصلاح: «ثم إنه زال ذلك الخلاف، وأجمع المسلمون على تسويغ ذلك وإباحته، ولولا تدوينه في الكتب لدرس في الأعصر الآخرة» (١).

الصُّحُفُ المَكْتُوبَةُ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:

من المؤكَّد - على كل حال - أنَّ بعض الصحابة كتبوا طائفة من الأحاديث في حياته - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ومنهم من كتبها بإذن خاص من الرسول مُسْتَثْنَى من النهي العام كما أوضحنا، بَيْدَ أنَّ أكثرهُم قيَّدُوا ما جمعوه في السنوات الأخيرة من حياته - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - بعد أنْ أذن بالكتابة لكل من رغب فيها وقدر عليها (٢)، ولدينا أخبار عن هذه الصحف تتفاوت أسانيدها قوة وضُعفاً، ومع أنَّ أسانيد بعضها قوية جداً فنحن لا نملك اليوم شيئاً محسُوساً من آثارها


(١) " علوم الحديث " لابن الصلاح: ص ١٧١.
(٢) ومما يستأنس به على إجازة النَّبِي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أخريات حياته بالكتابة - بعد أنْ أمن اختلاط السُنَّةِ بالقرآن - أنه قُبيْلَ وفاته أراد أنْ يكتب للمسلمين كتاباً لا يضلُّون بعده، ولم يَرَ بأساً في ذلك. انظر تفصيل الخبر في " تاريخ الطبري ": ١/ ٤ ص ١٨٠٦ - ١٨٠٧.