للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تقسيمات القدامى مع اعتبار الأطوار الاجتماعية التي تعاقبت على طبقاتهم المعروفة المشهورة، فجعلتهم يقفون من تقييد العلم مواقف متباينة، يؤيِّدُون الكتابة تارة ويكرهونها تارة أخرى. فهناك الصحابة والتابعون وأتباع التابعين، ولقد رأينا أنَّ الكتابة كانت أمراً واقعاً في عهد الصحابة، في حياته - صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ -، ولكنها لم تكن كثيرة، فالصحف التي وصفها - مهما نطل الحديث عنها - كانت قليلة، وقد علَّلْنا تلك القلَّة تعليلاً مناسباً. وكان يعنينا شيء واحد هو إثبات خطأ الاعتقاد بتناقل الحديث عن طريق الحفظ وحده.

عَصْرُ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ:

حتى إذا كان عهد الخلفاء الراشدين لم يتغيَّر الحال كَثِيرًا، فقد كانت آراء هؤلاء الخلفاء في التشدُّدِ في الرواية والتورع عن الكتابة امتداداً لآراء إخوانهم الصحابة في عصر الرسول، فهذا أبو بكر يجمع بعض الأحاديث ثم يحرقها (١)، وهذا عمر بن الخطاب لا يلبث أنْ يعدل عن كتابة السُنن بعد أنْ عزم على تدوينها. وعن عُروة بن الزبير أنَّ عمر بن الخطاب أراد أنْ يكتب السُنن، فاستشار في ذلك أصحاب رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأشار عليه عامتهم بذلك فلبث عمر شهراً يستخير الله في ذلك شاكاً فيه، ثم أصبح يوماً وقد عزم الله له، فقال: «إني كنت قد ذكرت لكم من كتاب السُنن ما قد علمتم. ثم تذكرت، فإذا أناس من أهل الكتاب قبلكم، قد كتبوا مع كتاب الله


(١) " تذكرة الحُفاظ ": ١/ ٥.