للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كُتُباً، فأكبُّوا عليها، وتركوا كتاب الله، وإني والله لا ألْبس كتاب الله بشيء أبداً، فترك كتاب السُنن» (١).

والخلفاء الراشدون لم يتشدَّدُوا في أمر الكتابة وحدها، بل بلغ بهم الورع أنْ راحوا يتشدّدُون حتى في الرواية، فلم يعط أبو بكر الجدَّةَ سُدُسَ الميراث إلاَّ بعد أنْ شهد المغيرة بن شُعبة ومحمد بن مسلمة أنَّ الرسول أعطاها السُدُس (٢)، ولم يتساهل عمر مع أبي موسى الأشعري حين روى حديث الاستئذان، بل هدّدَهُ بتغزيره إنْ لم يشهد أحد من الصحابة على صحة سماعه، وقال له: «أقم عليه البيِّنَةَ وإلاَّ أوجعتك» (٣).

فإذا رأينا كلاً من أبي بكر وعمر - بعد هذا - يكتبان الحديث أو ينصحان بكتابته (٤)، وأنَّ كَثِيرًا من كبار الصحابة في عصرهما كانوا كذلك ينصحون بالكتابة ويأمرون بها أمراً صريحاً، أدركنا علة ذلك التشدُّدِ الذي وصفناه قبل، وثبت لنا - كما قال إسماعيل بن إبراهيم بن عُلية البصري (- ٢٠٠ هـ) -


(١) " تقييد العلم ": ص ٥٠ وانظر ما يقاربه في " جامع بيان العلم ": ١/ ٦٤ و" طبقات ابن سعد ": ٣/ ١ ص ٢٠٦ و" كنز العمال " للمتقي الهندي: ٥/ ٢٣٩.
(٢) " المختصر في علم رجال الأثر " لعبد الوهاب عبد اللطيف: ص ٧٩.
(٣) " صحيح مسلم ": ٦/ ١٧٧ وقد شهد له أبو سعيد الخُدري بصحة سماعه.
(٤) انظر مثلاً في المخطوطة (جمع الجوامع للسيوطي - الظاهرية حديث ١٩٦) الوجه الثاني من الورقة ١٠٨ كيف أن أبا بكر كتب لأنس كتاباً فيه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المسلمين، وراجع في مستدرك الحاكم ١/ ١٠٦ وجامع بيان العلم ١/ ٧٢ والمحدث الفاصل للرامهرمزي - مخطوطة الظاهرية حديث ٤٠٠ قول عمر بن الخطاب "قيدوا العلم بالكتاب".
وكذلك علي بن أبي طالب حض على كتابة العلم، وشاعت عنه العبارة التي يرددها كثير من الصحابة "قيدوا العلم بالكتاب" انظر تقييد العلم ص ٩٠ ومعادن الجوهر للأمين العاملي ١/ ٣ دمشق ١٣٤٧.
ُ