يسبق ابن سعد في تأليف سُمِّيَ صراحة باسم " الطبقات ".
ولم يكد يفوت ابن سعد التلقي المباشر عن أحد من رجال الحديث المشاهير في عصره، ومن سنذكرهم من شيوخه على سبيل المثال يكفينا سرد أسمائهم لنعرف نوع البيئة العلمية التي كان ابن سعد يحيط بها نفسه: فلقد لقي وكيع بن الجراح وسليمان بن حرب وَهُشَيْمٍ بن بشير وأبا نُعَيْمٍ الفَضْلَ بْنُ [دُكَيْنٍ] وسفيان بن عُيينة والوليد بن مسلم وأبا الوليد الطيالسي ومحمد بن سعدان المقرئ الضرير. وذلك ما أتاح لنقاد الحديث المتأخرين عن عصره والذين كانوا بُعَيْدَهُ بقليل أن يثنوا عليه وَيُزَكُّوهُ وَيُعَدِّلُوهُ ويقولوا فيه:«صَدُوقٌ ثِقَةٌ يَتَحَرَّى فِي كَثِيرٍ مِنْ رِوَايَاتِهِ»، حتى فضله [بعضهم] على شيخه الواقدي، فقال السخاوي مثلاً:«ثِقَةٌ مَعَ أَنَّ أُسْتَاذَهُ ضَعِيفٌ».
كَلِمَةٌ فِي شَيْخِهِ الوَاقِدِي:
ولا بد من كلمة في أستاذه الواقدي هذا - وإن قالوا فيه:«ضَعِيفٌ» - فهو محمد بن عمر بن واقد الواقدي، كان من موالي بني هاشم. وكان مولده بالمدينة سَنَةَ ١٣٠ هـ، في خلافة مروان بن محمد، صاحب الخليفة هارون الرشيد في رحلة إلى الحج سَنَةَ ١٧٠هـ، وزار معه المدينة، ودله على المشاهد ومواقع الغزوات، فأعجب به الرشيد، ثم طلب إليه وزير الرشيد يحيى بن خالد البرمكي أن يصير إليه في العراق إذا استقرت به الدار، واتصل به الواقدي ووجد لديه كل إعزاز وتكريم. وخرج بعد ذلك إلى الشام والرقة، ثم عاد إلى بغداد حيث ولاه المامون قضاء «عسكر المهدي» ولم يزل قاضيًا حتى مات ببغداد