للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الفَصْلُ الثَّالِثُ: الرِّحْلَةُ فِي طَلَبِ الحَدِيثِ:

الطَّابَعُ الإِقْلِيمِيُّ فِي نَشْأَةِ الحَدِيثِ:

في المدينة المنورة «دَارُ السُنَّةِ» (١) التي عَظَّمَ الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُرْمَتَهَا ما بين حَرَّتَيْهَا وحماها كله (٢) نشأ الحديث نشأته الأولى، فكان الصحابة يتناقلونه فيها مشافهة وَتَلْقينًا، وإليهم كان يفزع التابعون ليأخذوه من أفواههم بالتلقين أَيْضًا، فَاتَّسَمَ الحديث - في مطلع فجره - بالطابع الإقليمي. وظلت رحاب المدينة مقدسة في عيون الرُوَّاةِ، وما فتئت تهفو إليها القلوب، لأنها الإقليم المبارك الذي اتسعت فيه آفاق الدعوة الإسلامية بعد الهجرة النَّبَوِيَّةِ. وأضحى أبناء الأقاليم الأخرى إذا حجوا بيت الله الحرام لا يلبثون أن يولوا وجوههم شطر المدينة ليسمعوا من أفواه أهليها (٣)، وقد يرحلون إليها


(١) " تاريخ الطبري ": ص ١٨٢.
(٢) راجع في " مسند أحمد "، طبعة شاكر، ج ٢ ص ١٩٨ و ١٩٩ الحديث رقم ٩٥٩ وفيه يقول رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ، وَإِنِّي أُحَرِّمُ الْمَدِينَةَ، وَإِنِّي أُحَرِّم مَا بَيْن حَرَّتَيْهَا وَحِمَاهَا كُلّه، لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا، وَلَا يُنَفَّر صَيْدهَا، وَلَا تُلْتَقَط لُقَطَتهَا إلاَّ لِمَنْ أَشَارَ بِهَا» الحديث ... بإسناد صحيح.
(٣) كما رووا عن أبي العالية أنه قال: «كنا نسمع الرواية عن أصحاب =