للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من الأمصار النائية ليأخذوا ما تفرد به رُواتها (١) وأمسى بعض الأئمة لايرون بأسا في الاعتراف بأنهم حجُّوا بيت الله ابتغاء السماع من علماء الحجاز، وهم يقصدون علماء المدينة الثقات الضابطين (٢) ولعل علي ابن المديني (٣) كان يرقي إلى هذا حين قال: «حَجَجْتُ حَجَّةً وَلَيْسَ لِي هِمَّةٌ إِلاَّ أَنْ أَسْمَعَ!» (٤).

وإذا كان أهل المدينة قد تَفَرَّدُوا - أول نشأة الحديث - برواية أكثر السُنَّةِ النَّبَوِيَّةِ (٥)، فَإِنَّ بعض الأمصار الأخرى بدأت تَتَفَرَّدُ كذلك - في عصر


= رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالبصرة، فلم نرض حتى ركبنا إلى المدينة فسمعنا من أفواههم» انظر مخطوطة " الجامع لأخلاق الراوي ": ٩/ ١٦٨ وجه ٢.
وأبو العالية هو التابعي الجليل رفيع بن مهران الرياحي المتوفى سَنَةَ ٩٢.

(١) ومن أوضح الأمثلة على ذلك ما حكى عن عبد الملك بن حبيب أنه «حَجَّ فأخذ عن عبد الملك بن الماجشون وأسند السُنَّةَ وأصبغ بن الفرج وطبقتهم ورجع إلى الأندلس بعلم جمٍّ» " تذكرة الحفاظ ": ٢/ ٥٣٧. ط ٣ وإليها جميع أحالاتنا في هذا الفصل، ولزيادة الإيضاح ارجع إلى جريدة المراجع في آخر الكتاب.
وعبد الملك بن حبيب هو عالم الأندلس وفقيهها الكبير، ويُكنَّى أبا مروان السلمي ثم المرداسي الأندلسي القرطبي. تُوُفِّيَ سَنَةَ ٢٣٨.
(٢) وذلك يعني أنَّ السماع في المدينة كان أكثر منه في مكة، وهو ما قصده المؤرِّخُون من وصف المدينة بأنه «دَارُ السُنَّةِ» فلا ينبغي أن يستنتج من كلامنا تحديد أي البلدين كان له السبق في تدوين الحديث، فالسماع بالتلقين غير الكتابة مع التدوين.
(٣) هو علي بن عبد الله بن جعفر، وَيُكَنَّى أبا جعفر، سعدي بالولاء، وكان أخذ شيوخ البخاري. تُوُفِّيَ سَنَةَ ٢٣٤ (شذرات الذهب: ٢/ ٨١).
(٤) " سنن الترمذي ": ١/ ١٩٦.
(٥) ولذلك نصادف كَثِيرًا من كتب السُنَنِ «وَهَذَا مِمَّا تَفَرَّدَ بِهِ أَهْلُ المَدِينَةِ» كما في " سنن أبي داود ": ٢/ ٣٧٠ رقم الحديث ٢٥٤ (راجع ط / ٢ سنة ١٣٦٩ هـ. بتحقيق محيي الدين عبد الحميد) وإليه جميع إحالتنا). =