للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مبكر - بطائفة من الأحاديث تشتهر في إقليمها أولاً، ثم تستفيض بعد مدة تطول أو تقصر على ألسنة الرُواة في كثير من البلدان: وفي بطون كتب الحديث ألوان من التعبير توحي بهذا التفرُّد الإقليمي في رواية السُنن، فهذا مِمَّا تَفَرَّدَ به أهل البصرة (١)، وهذا من سنن أهل الشام لم يشركهم فيه أحد (٢)، وهذا حديث حمصي (٣).

ولم يكن بُدٌّ من أن يختلف المحدثون حول هذا التفرد في الرواية، تَبَعًا للإقليم الذي اختص بها. فالراوي الواحد يقبل حديثه ويُعدُّ مقارباً للصحة إذا أخذه أهل هذا المصر، ويردّ ويعتبر منكراً إذا تلقَّاه أهل مصر آخر. وذلك يفسِّرُ لنا تفسيراً منطقياً واضحاً موقف الإمام البخاري من زهير بن محمد حيث يقول: «زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَهْلُ الشَّامِ يَرْوُونَ عَنْهُ مَنَاكِيرَ، وَرِوَايَةُ [أَهْلِ العِرَاقِ أَشْبَهُ]» (٤)، فقد اختلف حكم البخاري على هذا الرجل تَبَعًا لاختلاف الإقليم الذي أخذ عنه، لأنَّ هذا الإمام العظيم - بمعرفة الرجال، وَتَشَدُّدِهِ في شروط الرواة والمرويات - كان أقدر علماء عصره على تجريح شخص


= ومن ذلك قول أبي داود: «أَهْلُ المَدِينَةِ يَقْرَؤُونَ {[مَلِكِ] (*) يَوْمِ الدِّينِ} وَإِنَّ هَذَا الحَدِيثَ حُجَّةٌ لَهُمْ» انظر " سنن أبي داود ": ١/ ٤١٦ رقم الحديث ١١٧٣.

(١) انظر " سنن أبي داود ": ١/ ٧٦ رقم الحديث ١٥٥ و ١/ ١٤٠ رقم الحديث ٣٣٣.
(٢) " سنن أبي داود ": ١/ ٥٦ رقم الحديث ٩١.
(٣) عن ابن شهاب أنه كان إذا ذكر له أنه نهى عن صيام يوم السبت، يقول ابن شهاب: «هذا حديث حمصي». " سنن أبي داود ": ٢/ ٤٣١ رقم الحديث ٢٤٢٣.
(٤) " سنن الترمذي ": ١/ ٦٠ في حديث عائشة: «أنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -كَانَ يُسَلِّمُ فِى الصَّلاَةِ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، يَمِيلُ إِلَى الشِّقِّ الأَيْمَنِ شَيْئًا». وفي سند الحديث زهير بن محمد هذا عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة.