الذى بدأ فيه الإسناد في رواية الحديث لم ينشأ إلا من قلة الرجوع إلى مصادر الحديث، لأن من العسير نفي تلك الآثار المستفيضة المتضافرة على أخذ بعض الصحابة من بعض، وإسناد أحدهم القول إلى أخيه، وتعضيد القول الواحد بما يثبته من أقوال الصحب الغر الميامين.
والقارئ الذي اطلع على فصلنا السابق عن «الاحتجاج بالحديث في التشريع»، وشهد معنا ما أشهدناه إياه من تناوب الصحابة مجلس النبي - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - لسماع العلم وتحمله وأدائه، ورأى الصور التي انتزعناها له من رواية بعض القوم عن بعض حتى في عصر النبي الكريم، ما نحسبه بحاجة إلى توكيد جديد لممارسة الرواية وما يتصل بها من الأسانيد، وما نحسبه يتردد في الحكم على الصحابة والتابعين بعزوهم الروايات لأصحابها عندما كانوا يحدثون.
وحين نقع على أخبار تومئ إلى أن بعض التابعين - كقتادة بن دعامة السدوسي- لم يكن يُسْنِدُ الحديث، تكون هذه الأخبار نفسها شاهدنا في أن معظم التابعين في مختلف الأمصار كانوا للحديث مسندين. ولولا ذلك لما حرص الراوي على استثناء قتادة - أو أي تابعي آخر سواه - من حكم عام لا يجهل أحد أنه - في ذلك العصر- كان يشمل الجميع.
ففي الطبقات الكبرى (١) على سبيل المثال قول حماد بن سلمة: