للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والشافعي، وأحمد بن حنبل، والليث بن سعد (١)، وشعبة بن الحجاج، وعبد الله بن المبارك، ووكيع بن الجراح، وَعَلِيُّ بن المديني، ويحيى بن مَعِينٍ، وقد سئل ابن حنبل عن إسحاق بن راهويه (٢) فقال: «مِثْلُ إِسْحَاقَ يُسْأَلُ عَنْهُ؟!» وَسُئِلَ ابْنُ مَعِينٍ، عَنْ أَبَى عُبَيْدٍ، فَقَالَ: «مِثْلِي يُسْأَلُ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ؟ أَبُو عُبَيْدٍ يُسْأَلُ عَنِ النَّاسِ!» (٣).

ومناهج المحدثين في الجرح أشد منها في التعديل: فهم يقبلون التعديل من غير ذكر سببه على الصحيح المشهور (٤)، أما الجرح فيردونه إذا لم يُبَيِّنْ سببه بيانًا شافيًا، لاعتقادهم بأن الناس يختلفون في إسقاط العدالة والحكم بالفسق، وأن «مَذَاهِبُ النُّقَّادِ لِلرِّجَالِ غَامِضَةٌ دَقِيقَةٌ، وَرُبَّمَا سَمِعَ بَعْضُهُمْ فِي الرَّاوِي أَدْنَى مَغْمَزٍ فَتَوَقَّفَ عَنِ الاحْتِجَاجِ بِخَبَرِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الَّذِي سَمِعَهُ مُوجِبًا لِرَدِّ الْحَدِيثِ، وَلاَ مُسْقِطًا لِلْعَدَالَةِ» (٥).

من ذلك أنهم تشددوا في رواية مرتكب المباحات، كالتنزه في الطرقات، والأكل في الأسواق، والتبسط في المداعبة والمزاح (٦)، أما اللعب بالشطرنج


(١) هو الإمام الحافظ الفقيه الورع شيخ الديار المصرية، الليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي، أبو الحارث. تُوُفِّيَ سَنَةَ ١٧٥ هـ.
(٢) هو الإمام الحافظ إسحاق بن إبراهيم بن مخلد، المعروف بابن راهويه، وَيُكَنَّى أبا يعقوب. كان يحفظ سبعين ألف حديث عن ظهر قلب. وله " مسند " كبير. تُوُفِّيَ سَنَةَ ٢٣٨ هـ. (انظر " الرسالة المستطرفة ": ص ٤٩).
(٣) " تدريب الراوي ": ص ١٠٩.
(٤) وقد عَلَّلَ السيوطي ذلك بكثرة أسباب التعديل حتى يثقل ذكرها ويشق. إذ على المعدل أن يقول: لم يرتكب كذا، فيعدد جميع ما يفسق بفعله أو بتركه. وذلك شاق جِدًّا. (" التدريب ": ص ١١١).
(٥) " الكفاية ": ص ١٠٩.
(٦) " الكفاية ": ص ١١١.