للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

«وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ ذَلِكَ - أَيْ مِنْ مَرَاسِيلِ الصَّحَابَةِ - مَا لاَ يُحْصَى، لأَنَّ أَكْثَرَ رِوَايَاتِهِمْ عَنِ الصَّحَابَةِ، وَكُلُّهُمْ عُدُولٌ، وَرِوَايَاتُهُمْ عَنْ غَيْرِهِمْ نَادِرَةٌ، وَإِذَا رَوَوْهَا بَيَّنُوهَا، بَلْ أَكْثَرُ مَا رَوَاهُ الصَّحَابَةُ، عَنِ التَّابِعِينَ لَيْسَ أَحَادِيثَ مَرْفُوعَةً، بَلْ إِسْرَائِيلِيَّاتٌ، أَوْ حِكَايَاتٌ، أَوْ مَوْقُوفَاتٌ» (١).

ويتعذر إنكار مراسيل الصحابة، فأكثر الرواية عن ابن عباس مرسلة لِصِغَرِ سِنِّهِ في حياة رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فقد تُوُفِّيَ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - وسن ابن عباس لا تزيد عن ثلاث عشرة سَنَةً (٢).

والمرسل مراتب، أعلاها ما أرسله صحابي ثبت سماعه، ثم صحابي له رؤية فقط ولم يثبت سماعه، ثم المخضرم، ثم المتقن كسعيد بن المسيب؛ ويليها من كان يتحرى في شيوخه، كالشعبي ومجاهد؛ ودونها مراسيل من كان يأخذ عن كل أحد، كالحسن. وأما مراسيل صغار التابعين كقتادة، والزهري، وحميد الطويل، فإن غالب رواية هؤلاء عن التابعين (٣).


(١) " التدريب ": ص ٧١. وقارن بـ " شرح التنقيح " للقرافي: ص ١٦٤ (القاهرة. المطبعة الخيرية سَنَةَ ١٣٠٦ هـ). وقد أخذ على ابن الصلاح تعليله مراسيل الصحابة برواية بعضهم عن بعض (إطلاقًا). والصواب أن يقال: «إِنَّ غَالِبَ رِوَايَتَهُمْ عَنْ الصَّحَابَةِ لاَ كُلَّهَا» راجع " توضيح الأفكار ": ١/ ٣١٧. ومن العلماء من يُشَدِّدُ في «مَرَاسِيلِ الصَّحَابَةِ» ويرى في هذا التعبير تَجَوُّزًا وَتَسَامُحًا، إذ لا مرسل للصحابة على الحقيقة: انظر " التوضيح ": ١/ ٢٩٥.
(٢) " التوضيح ": ١/ ٢٩١. ولقد تساهل بعض العلماء فقبلوا مراسيل أئمة الحديث، الموثوق بهم المعروف تَحَرِّيهِمْ. (انظر " التوضيح " أَيْضًا: ١/ ٢٨٧).
(٣) " قواعد التحديث ": ص ١٢٥، ١٢٦ نقلاً عن السخاوي في " فتح المغيث " على هامش " ألفية العراقي " الهند - دلهي. طبع حجر. وقد اعترض على ذكر الزُّهْرِي بين صغار التابعين، لأنه لقي من الصحابة ثلاثة عشر فأكثر. وقال ابن خِلِّكَانْ: «أَنَّهُ رَأَى عَشْرَةً مِنَ الصَّحَابَةِ»: (انظر " التوضيح ": ١/ ٢٨٥).