للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الظاهر سليمًا من العلل (١).

واكتشاف علة الحديث يحتاج إلى اطلاع واسع، وذاكرة طيبة، وفهم دقيق، لأن العلة نفسها سبب غامض يخفى حتى على المشتغلين بعلوم الحديث. قال ابن حجر: «وَهُوَ مِنْ أَغْمَضِ أَنواعِ عُلومِ الحَدِيثِ وَأَدَقِّهَا، وَلاَ يَقُومُ بِهِ إلاَّ مَنْ رَزَقَهُ اللهُ تَعَالَى فهْمًا ثاقِبًا، وَحِفْظًا وَاسِعًا، وَمَعْرِفةً تَامَّةً بِمَرَاتِبِ الرُّوَاةِ، وَمَلَكَةً قويَّةً بِالأَسَانِيدِ وَالمُتُونِ» (٢).

ولقد يتمكن الخبير المتمرس بهذا الفن من معرفة إحدى العلل الغامضة بضرب من الإلهام يشرح اللهُ به صدره. ولا غرو، فالمعرفة بالحديث ليست تلقينًا، وإنما هو علم يُحْدِثُهُ اللهُ في القلب (٣). قال عبد الرحمن بن مهدي (٤): «مَعْرِفَةُ الحَدِيثِ إِلْهَامٌ، فَلَوْ قُلْتَ لِلْعَالِمِ يُعَلِّلُ الحَدِيثَ: مِنْ أَيْنَ قُلْتَ هَذَا؟، لَمْ يَكُنْ لَهُ حُجَّةٌ» (٥). وَقِيلَ لَهُ أَيْضًا: «إِنَّكَ تَقُولُ لِلشَّيْءِ: هَذَا صَحِيحٌ وَهَذَا


= فيه أيضًا «مُعَلٌّ» بلام واحدة، لأنه مفعول أعل قياسًا. وأما «مُعَلَّلٌ» فهو مفعول علل، وهو لغة بمعنى أَلْهَاهُ بِالشَّيْءِ وَشَغَلَهُ، وليس هذا الفعل بمستعمل في كلامهم. انظر " التدريب ": ص ٨٨.

(١) [قَارِنْ] بـ " التدريب ": ص ٨٩.
(٢) " شرح النخبة ": ص ٢١ وعنه في " التوضيح ": ٢/ ٢٩.
(٣) " الجامع ": ٩/ ١٧٧.
(٤) هو الحافظ الكبير الإمام عبد الرحمن بن مهدي بن حسان، أبو سعيد البصري، مولى الأزد، وقيل: مولى بني العنبر. قَالَ فِيهِ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: «هُوَ أَفْقَهُ مِنْ يَحْيَى القَطَّانِ وأَثْبَتُ مِنْ وَكِيْعٍ». توفي سَنَةَ ١٩٨ هـ (انظر ترجمته في " تذكر الحفاظ ": ١/ ٣٢٩).
(٥) " معرفة علوم الحديث ": ص ١١٣.