للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ضَرْبًا من التأسي بِالسُنَّةِ النَّبَوِيَّةِ. وصار هؤلاء المُتشبِّهُونَ بالسلف ينسبون إليه فَيُسَمَّوْنَ «السَّلَفِيِّينَ» (١)، وباتت حياتهم وَقْفًا على إحياء السُنَّةِ وإماتة البدعة (٢)، وكان المُتدَيِّنُونَ الصادقون ينظرون إليهم نظرة إجلال وإكبار في مختلف العصور، غير أنهم لم يسلموا من أذى المبتدعة وأهل الأهواء، ولا من غُلاَةِ المُتَصَوِّفِينَ، ولا من الأدباء المُتَطَرِّفِينَ. ومضى السَّلَفِيُّونَ لا يبالون بشيء من أذى العامة، فحسبهم شَرَفًا أنهم حفظوا سُنَنَ الهُدَى حِينَ ضَيَّعَهَا النَّاسُ!

ولئن أطلقت السُنَّةُ في كثير من المواطن على غير ما أطلق الحديث، فَإِنَّ الشعور بتساويهما في الدلالة أو تقاربهما على - الأقل - كان دائمًا يساور نُقَّادَ الحديث، فهل السُنَّة العملية إلاَّ الطريقة النَّبَوِيَّةَ التي كان الرسول - صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ - يُؤَيِّدُهَا بأقواله الحكيمة وأحاديثه الرشيدة المُوَجَّهَةِ؟ وهل موضوع الحديث يغاير موضوع السُنَّة؟ ألا يدوران كلاهما حول محور واحد؟ ألا ينتهيان أَخِيرًا إلى النَّبِيِّ الكَرِيمِ في أقواله المُؤيِّدَةِ لأعماله، وفي أعماله المُؤيِّدَةِ لأقواله؟

حين جالت هذه الأسئلة في أذهان النُقَّادِ لم يجدوا بَأْسًا فِي أنْ يُصَرِّحُوا


(١) " المشتبه في أسماء الرجال " للذهبي، نشر جنغ Jong، ص ٢٦٩.
(٢) وعلى طريقة المستشرقين في إحصاء الجزئيات واستقراء التفصيلات، قام جولدتسيهر بجمع طائفة حسنة من المعلومات عن إحياء السُنَّةِ في مختلف العصور الإسلامية، وليس لنا اعتراض على النتيجة التي خرج بها من دراسته لهذه الناحية بالذات، فقد أثبت أنَّ إحياء السُنَّةِ كان يرادف غالباً العمل على نشرها وتثبيتها في نفوس الأفراد. وانظر:
Muhammedanisches Recht, in Theorie und Wirklich Keit (Zeitschrift f. vergleich) .Rechtswissenschatt, VIII, ٤٠٩ sq.