للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإغفال سائرها (١).

ومثال الاضطراب في المتن حديث البسملة الذي أخرجه مسلم في " صحيحه " من رواية الوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَيْهِ يُخْبِرُهُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّهُ حَدَّثَهُ قَالَ: " صَلَّيْتُ خَلَفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، فَكَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ بِـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، لاَ يَذْكُرُونَ {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: ١] فِي أَوَّلِ قِرَاءَةٍ وَلاَ فِي آخِرِهَا ".

فهذه العبارة الأخيرة الي ينص فيها الراوي على نفي قراءة البسملة هي المتن المضطرب في هذا الحديث: لأن مسلمًا والبخاري اتفقا على إخراج رواية أخرى في الموضوع نفسه لا يتعرض فيها لذكر البسملة

بنفي أو إثبات، وإنما يكتفي الراوي بقوله: «فكانوا يستفتحون القراءة بِـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}» يقصد أن الفاتحة هي السورة التي كانوا يستفتحون بها. ولو وقف الأمر عند هذا الحد لأمكن ترجيح الحديث المتفق عليه، فلم نصف الحديث الأول بالاضطراب، ولكن رواية ثالثة عن أنس تفيد أنه سئل عن الافتتاح بالتسمية، فأجاب أنه لا يحفظ في

ذلك شيئًا عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وتردد مثله في هذه المسالة يحسب له حسابه، فأصبح عسيرًا أو متعذرًا ترجيح ما يتعلق بالبسملة إثباتًا أو نفيًا، وتعذر الترجيح كان السبب المباشر في وصفنا لمتن الحديث الأول بالاضطراب.


(١) ومما أخذه الحافظ ابن حجر عن الحافظ العلائي صور الاضطراب في السند، إذ عد منها سِتًّا:
١ - تعارض الوصل والإرسال، ٢ - تعارض الوقف والرفع، ٣ - تعارض الاتصال والانقطاع، ٤ - أن يروي الحديث قوم عن رجل عن تابعي عن صحابي، ويرويه ذلك الرجل عن تابعي آخر عن صحابي بعينه، ٥ - زيادة رجل في أحد الإسنادين، ٦ - الاختلاف في اسم الراوي ونسبه إذا كان مترددًا بين ثقة وضعيف. (وتجد هذه الصور الست مع أمثلتها في " التوضيح ": ٢/ ٣٨ - ٤٧).