للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هَذَا الشَّاذُّ مِنَ الْحَدِيثِ» (١). والناس، في قول الشافعي، هم الثقات، فكأنه يقول: «الشَّاذُّ مَا رَوَاهُ الثِّقَةُ مُخَالِفًا الثِّقَاتَ»، وهو إذن لا يلاحظ مطلق التفرد، بل التفرد والمخالفة في آن واحد، إلا أنه لم يصرح بأن المخالفة للأولى أو الأوثق، وإنما هي مخالفة عامة للناس «الثِّقَاتَ».

وبهذا الاصطلاح أخذ كثير من علماء الحجاز (٢)، وانتصر له ابن الصلاح، واستنتج منه ابن كثير أن الثقة إذا روى ما لم يرو غيره «مَقْبُولٌ إِذَا كَانَ عَدْلاً ضَابِطًا حَافِظًا، فَإِنَّ هَذَا لَوْ رَدَّ لَرُدَّتْ أَحَادِيثٌ كَثِيرَةٌ مِنْ هَذَا النَّمَطِ، وَتَعَطَّلَتْ كَثِيرٌ مِنْ المَسَائِلِ عَنْ الدَّلائِلِ» (٣).

وأكد هذا الاصطلاح العلامة ابن القيم (٤) بعبارة قاطعة فقال: « ... وَإِنَّمَا الشُّذُوذُ أَنْ يُخَالِفَ الثِّقَاتَ فِيمَا رُوَوْهُ، فَأَمَّا إذَا رَوَى الثِّقَةُ حَديثًا مُنْفَرِدًا بِهِ لَمْ يَرْوِ الثِّقَاتُ خِلاَفَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ لاَ يُسَمَّى شَاذًّا. وَإِنْ اِصْطُلِحَ عَلَى تَسْمِيَتِهِ شَاذًّا بِهَذَا المَعْنًى لَمْ يَكُنْ هَذَا الاِصْطِلاحُ مُوجِبًا لِرَدِّهِ وَلاَ مُسَوِّغًا لَهُ» (٥).

وأما الحاكم فيرى أن «الشَّاذَّ حَدِيثٌ [يَتَفَرَّدُ] بِهِ ثِقَةٌ مِنَ الثِّقَاتِ، وَلَيْسَ لِلْحَدِيثِ أَصْلٌ مُتَابِعٌ لِذَلِكَ الثِّقَةِ» (٦). فهو يعتبر قيد التفرد بلفظ صريح، أما قيد المخالفة فيعتبره أيضًا - في نظرنا - ولكن بلفظ غير صريح، فلو


(١) " معرفة علوم الحديث ": ص ١١٩. وعنه باختلاف يسير " التدريب ": ص ٨١ و " التوضيح ": ١/ ٣٧٧.
(٢) " اختصار علوم الحديث ": ص ٦١.
(٣) " اختصار علوم الحديث ": ص ٦٢، ٦٣.
(٤) هو الإمام الكبير، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد بن حريز الذرعي الدمشقي، المعروف بابن قيم الجوزية، الحنبلي، المُتَوَفَّى ٧٥١ هـ.
(٥) " إغاثة اللهفان ": ص ١٦٠ في الرد على من طعن في حديث ابن عباس في المطلقة ثلاثًا بأنها كانت واحدة على عهد الرسول وأبي بكر وصدرًا من خلافة عمر.
(٦) " معرفة علوم الحديث ": ص ١١٩.