للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جَبَلٍ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، فَقُلْنَا الحَدِيثُ شَاذُّ» (١).

وإنما حرص الحاكم على اْن يقصي عن هذا الحديث معنى العلة، فصرح بأنه لم يعرف له علة يعله بها، وأنه خرج عن أن يكون معلولاً، لما يستشعره في الشاذ من صعوبة تشبه صعوبة المعلل، فهو مما «يَنْقَدِحُ فِي نَفَسِ النَّاقِدِ أَنَّهُ غَلِطَ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى إِقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَى ذَلِكَ» (٢)، ولذلك اضطر الحاكم إلى التفرقة بينهما، فرأى «المَعْلُولَ مَا يُوقَفُ عَلَى عِلَّتِهِ، أَنَّهُ [دَخَلَ] حَدِيثٌ فِي حَدِيثٍ، أَوْ وَهِمَ فِيهِ رَاوٍ أَوْ أَرْسَلَهُ وَاحِدٌ، فَوَصَلَهُ وَاهِمٌ» (٣)، فهو - على خفاء علته وغموضها - يمكن الوقوف عليه، لكن الشاذ «أَدَقُّ مِنَ المُعَلَّلِ، فَلاَ يُوقَفُ عَلَى عِلَّتِهِ، وَلاَ يُتَمَكَّنُ مِنَ الحُكْمِ بِهِ إلاَّ مَنْ مَارَسَ هَذَا الفَنَّ غَايَةَ المُمَارَسَةِ، وَكَانَ فِي الذُّرْوَةِ مِنْ الفَهْمِ الثَّاقِبِ وَرُسُوخِ القَدَمِ فِي الصِّنَاعَةِ، وَرَزَقَهُ اللهُ نِهَايَةَ المَلَكَةِ» (٤).

ودقة الشاذ تنشأ غالبًا عن تعذر الحكم بفقدان الأصل المتابع له، لما يستدعيه الوقوف على ذلك من البحث والتقصي، ولعل دقة الشاذ أو صعوبته - على هذا النحو الذي بالغ فيه الحاكم - أن تكون السبب الجوهري في الاعتقاد بتفرده في تعريف الشذوذ، وابتعاده فيه عن رأي الجمهور. ولذلك ضعف ابن الصلاح رأي الحاكم، واعترض على تعريفه بحديث «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» فإنه


(١) " معرفة علوم الحديث ": ص ١١٩، ١٢٠.
(٢) " التدريب ": ص ٨١. وقارن بـ " ألفية السيوطي ": ص ٩٢ هامش.
(٣) " معرفة علوم الحديث ": ص ١١٩. وقارن بما ذكرناه في المعلل.
(٤) " التوضيح ": ١/ ٣٧٩. وقارن بما ذكرناه عن علل الحديث.