للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لم يحفظ، فالحفظ درجة من الضبط أبعد ما تكون عن مثل هذا الراوي الضعيف. أما راوي الشواذ فهو ثقة، وغالبًا ما يكون مع توثيقه حافظًا ضابطًا، إلا أنه خالف من هو أوثق منه ضبطًا وإتقانًا، فهو لم يخالف ما عرف واشتهر فقط بل خالف ما حفظ وأتقن أيضًا. قال ابن حجر: «وَزِيادَةُ رَاوِي الصَّحِيحِ وَالحَسَنِ مَقْبُولَةٌ، مَا لَمْ تَقَعْ مَنَافِيَةً لِرِوَاِيَةِ مِنْ هُوَ أَوْثَقُ، فَإِنْ خُولِفَ بِأَرْجَحِ مِنْهُ لِمَزِيدِ ضَبْطٍ أَوْ كَثْرَةِ عَدَدٍ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ التَّرْجِيحَاتِ فَالرَّاجِحُ يُقَالُ لَهُ المَحْفُوظُ، وَمُقَابِلُهُ وَهُوَ المَرْجُوحُ يُقَالُ لَهُ الشَّاذُّ. وَإِنَّ وَقَعَتْ المُخَالَفَةُ لَهُ مَعَ الضَّعْفِ فَالرَّاجِحُ يُقَالُ لَهُ المَعْرُوفُ، وَمُقَابِلُهُ يُقَالُ لَهُ المُنَكَرُ» (١).

لكن ابن الصلاح ذهب إلى ترادف المنكر والشاذ، إذ نقل عن البَرْدِيجِيِّ (٢) في تعريف المنكر «أَنَّهُ هُوَ الحَديثُ الذِي يَنْفَرِدُ بِهِ الرَّجُلُ، وَلاَ يُعْرَفُ مَتْنُهُ مِنْ غَيْرِ رِوَاِيَتِهِ، لاَ مِنَ الوَجْهِ الذِي رَوَاهُ مِنْهُ وَلاَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ» (٣)، وكأنه بعبارة أوضح لا يلاحظ في المنكر إلا مطلق التفرد. وإطلاق الحكم على التفرد بالرد أو النكارة أو الشذوذ موجود في كلام كثير من أهل الحديث (٤). والتفرد على إطلاقه منه المقبول، ومنه المردود «فَإذَا تَفَرَّدَ الرَّاوِي بِشَيْءٍ نُظَرَ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ مَا اِنْفَرَدَ بِهِ مُخَالِفًا لِمَا رَوَاهُ مِنْ هُوَ أَوْلَى مِنْهُ بِالحِفْظِ لِذَلِكَ وَأَضْبَطَ كَانَ مَا اِنْفَرَدَ بِهِ شَاذًّا مَرْدُودًا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ مُخَالِفَةً لِمَا رَوَاهُ غَيْرُهُ وَإِنَّمَا هُوَ


(١) " شرح النخبة ": ص ١٢ - ١٤. وقارن مرة أخرى بما ذكرناه ص ١٦١.
(٢) هو الحافظ أبو بكر، أحمد بن هارون البرديجي، نسبة إلى برديج قرب بردعة - بإهمال الدال - بلد بأذربيجان، ويقال له البردعي أيضًا.
(٣) " التوضيح ": ٢/ ٤، ٥.
(٤) نفسه: ٢/ ٦.