للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مهدي وعبد الله بن المبارك، فقد روي عن هؤلاء أنهم كانوا يقولون: «إِذَا رَوِينَا فِي الحَلاَلِ وَالحَرَامِ شَدَّدْنَا، وَإِذَا رَوِينَا فِي الفَضَائِلِ وَنَحْوِهَا تَسَاهَلْنَا» (١).

على أن عبارة هؤلاء الأئمة لم تفهم على وجهها الصحيح، فغرضهم من التشديد ليس مقابلة أحدهما بالآخر كتقابل الصحيح بالضعيف في نظرنا نحن، وإنما كانوا إذا رَوَوْا في الحلال والحرام يتشددون فلا يحتجون إلا بأعلى درجات الحديث، وهو المتفق في عصرهم على تسميته بـ «الصَّحِيحِ» فإن رَوَوْا في الفضائل ونحوها مما لا يمس الحل والحرمة لم يجدوا ضرورة للتشدد وقصر مروياتهم على الصحيح، بل جنحوا إلى قبول ما هو دونه في الدرجة وهو الحسن الذي لم تكن تسميته قد استقرت في عصرهم، وانما كان يعتبر قِسْمًا من الضعيف، في اصطلاح المتقدمين وإن كان في نظرهم أعلى درجة مما يصطلح بعدهم على وصفه بالضعيف (٢). ولو أن الناس فهموا أن تساهل هؤلاء الاْئمة في الفضائل إنما يعني أخذهم بالحديث الحسن الذي لم يبلغ درجة الصحة، لَمَا طَوَّعَتْ لهم أنفسهم أن يتناقلوا تلك العبارة السالفة: «يَجُوزُ العَمَلُ بِالضَّعِيفِ فِي فَضَائِلِ الأَعْمَالِ»، فَمِمَّا لاَ رَيْبَ فِيهِ - في نظر الدين - أن الرواية الضعيفة لا يمكن أن تكون مصدرًا لحكم شرعي ولا لفضيلة خلقية، لأن الظن لايغني من الحق شيئًا، والفضائل كالاْحكام من دعائم الدين الأساسية، ولا يجوز أن يكون بناء هذه الدعائم وَاهِيًا، على شفا جرف هار.

لذلك لا نسلم برواية الضعيف في فضائل الأعمال ولو توافرت له جميع


(١) قارن بـ " الكفاية ": ص ١٣٣.
(٢) " الباعث الحثيث ": ص ١٠١.