للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإن هذه الملاحظة لتوجهنا إلى التزام الكثير من الحيطة في حكمنا على حديث ما بالضعف. فإطلاق الحكم بالضعف ليس من دقة المحدثين في شيء، إذ ليس لهذا الاطلاق معنى إلا ضعف الحديث المبحوث عنه إسنادًا ومتنًا في آن واحد، مع أنه يحتمل أن يكون ضعفه في الإسناد فقط، أو في المتن وحده، بل يحتمل أن يكون ضعفه في إسناد معين، بينما تكون بقية أسانيده صحيحة لا يجوز الحكم بضعفها، فعلينا إذا وجدنا حديثًا بإسناد ضعيف أن ندقق في تعبيرنا فنقول: «إِنَّهُ ضَعِيفٌ بِهَذَا الإِسْنَادِ» (١). ونحتاط كذلك في الحديث الذي وصف بعض الحفاظ متنه بالضعف فنقول: «لَمْ يَرِدْ هَذَا المَتْنُ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى صَحِيحَةً، كَمَا ذَكَرَ الحَافِظُ فُلاَنٌ فِي كِتَابِهِ كَذَا».

على أن باب الاجتهاد لم يقفل في الحديث كما لم يقفل في الفقه، ويجب أن يظل بابه مفتوحًا في كل من هذين العلمين، فكل من أقبل على علم الحديث رواية ودراية وتوافرت فيه شروط الاجتهاد التى كانت تتوافر في الحفّاظ السالفين، جاز له أن يحكم إطلاقًا بضعف حديث ما إن بحث عن جميع طرقه، وغلب على ظنه أن متنه لم يرد بإسناد آخر صحيح.

والناشئ في علم الحديث إذا نقل رواية لا يعلم حالها، أصحيحة


(١) " الباعث الحثيث ": ص ٩٩.