للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والمعلق في " صحيح البخاري " على نوعين، أحدهما ما يكون في موضع آخر من كتابه موصولاً، فهو يتصرف في إسناده بالاختصار مخافة التطويل، والآخر ما لا يكون إلا معلقًا، فهو يورده بصيغة الجزم ويستفاد منه الصحة إلى من عَلَّقَ عنه. قال النووي: «فَمَا كَانَ مِنْهُ بِصِيغَةِ الجَزْمِ كَقَالَ، وَفَعَلَ، وَأَمَرَ، وَرَوَى، [وَذَكَرَ فُلاَنٌ] (*)، فَهُوَ حُكْمٌ بِصِحَّتِهِ عَنِ المُضَافِ إِلَيْهِ. وَمَعَ ذَلِكَ فَإِيرَادُهُ لَهُ فِي أَثْنَاءِ الصَّحِيحِ مُشْعِرٌ بِصِحَّةِ أَصْلِهِ إِشْعَارًا يُؤْنَسُ بِهِ وَيُرْكَنُ إِلَيْهِ» (**). وَعَلَى المُدَقِّقِ إذَا رَامَ الاِسْتِدْلاَلَ بِهِ أَنْ يَنْظُرَ فِي رِجَالِهِ وَحَالِ سَنَدِهِ لِيَرَى صَلاَحِيَّتَهُ لِلْحُجَّةِ وَعَدَمِهَا (١).

ويستشعر بعض العلماء في «المُعَلَّقِ» أنه ضرب من «المُنْقَطِعِ»، الذي سقط من إسناده رجل أو ذكر فيه رجل مبهم، فقد لاحظ السيوطي أنه «وَقَعَ فِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " أَحَادِيثُ أُبْهِمَ بَعْضُ رِجَالِهَا» وذكر طائفة من هذه الأحاديث في بحث المنقطع (٢)، مع أن النووي يسمي نظائرها معلقات، أو يجعل تسميتها مرددة بين الانقطاع والتعليق، فهو يقول: «قَالَ مُسْلِمٌ: وَرَوَى اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ ... » وَيَذْكُرُ الحَدِيثَ ثُمَّ يَقُولُ: «هَكَذَا وَقَعَ فِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " مِنْ جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ مُنْقَطِعًا بَيْنَ مُسْلِمٍ وَاللَّيْثِ وَهَذَا النَّوْعُ يُسَمَّى مُعَلَّقًا» (٣).

وأهم ما يعنينا في هذه الزمرة الثلاثية أن الحكم عليها بالضعف الخالص ليس من الدقة في شيء، فهي قابلة لأن توصف بالصحة والحسن والضعف، تَبَعًا لحال رواتها أيضًا.


(١) ذكره في " قواعد التحديث ": ص ١٠٥.
(٢) " التدريب ": ص ١١٧، ١١٨.
(٣) " شرح صحيح مسلم ": ٤/ ٦٣.