للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وانتهائه سواءًُ سُمِّيَ مُسْتَفِيضًا (١)، وفيها ضرب من التواتر المعنوي لانتشارها بين الناس بعد أن لوحظ في روايتها التعدد، فَعُزِّزَتْ بأكثر من رَاوٍ، واستفاضت وَكُتِبَتْ لها الشهرة بتناقلها على ألسنة الجماعة.

بيد أن هذه الأنواع الثلاثة ألصق بالغريب منها بالمتواتر، لأن مباحثها تتعلق بالإسناد، وليس للمتواتر صلة بالإسناد (٢)، ثم إن تعدد الرواة فيها، على نِسَبِهِ المتفاوتة، لا يخرجها عن صفة الاَحادية ولا يبلغ بها درجة الجمع المشروط في التواتر، وهي أولاً وآخراً أسماء للغريب وألقاب حين يرقى عن التفرد بعض الشيء، وهي، لذلك، تحاكي الغريب في انقسامها مثله إلى صحيحة وحسنة وضعيفة.

والناظر العجول في هذه الأنواع الثلاثة يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أنها ينبغي أن تكون خالصة للصحيح، فهو يستبعد أن يكون الحديث الذي عَزَّ وَقَوِيَ بمجيئه من طريق أخرى، أو استفاض واشتهر برواية الجماعة له، بمنزلة الحديث الغريب الذي انفرد بروايته شخص واحد. وقد يبدو هذا الاستنتاج منطقيًا صحيحًا لما ألفه الناس في كل زمان ومكان من العناية بالكم والكثرة، ولكن التحقيق العلمي الدقيق يثبت أن مقياس المحدثين في تصحيح الروايات وتضعيفها ليس كَمِّيًّا فَيُعَوَّلُ على الأرقام والأعداد، ويقارن فى الجموع والأفراد: وإنما هو قيمي يُعْنَى بأوصاف الرجال

المذكورين في الأسانيد، أقلة كانوا أم كثيرين. ومن هنا رأينا نُقَّادَهُمْ لا يبالون في المتواتر نفسه بتعيين عدد الجمع الراوي له،


(١) " شرح النخبة ": ص ٥.
(٢) راجع ما فصلناه ص ١٥٠.