بمعنى واحد لا بمعنيين متباينين: فإما أَنْ يكون الأُمِيَّ هو الذي يجهل الشريعة الإلهية، أو هو الذي يجهل القراءة والكتابة، ومن هنا يكبر خطأ المُفَسِّرِينَ الذِينَ أَوَّلُوا «الأُمِيِّينَ» العرب بِجَهَلَةِ الشريعة الإلهية على حين أوَّلُوا النَّبِيَّ «الأُمِيَّ» بالذي لا يعرف القراءة والكتابة. أما خطأ المستشرقين فَمُرَكَّبٌ مُضَاعَفٌ، لأنهم عَوَّلُوا فيه على رأي ضعيف شطروه شطرين، ثم آمنوا ببعضه وكفروا ببعض وجاؤوا على الأثر برأيهم الصبياني: فأما العرب - بزعمهم - فهم أميُّون لجهلهم للشريعة الإلهية، وأما النَّبِيُّ فَأُمِيٌّ نسبة إلى هؤلاء الجاهلين، لتعليمه إياهم شريعة الله، فهو نبي هؤلاء الجاهلين، أو نَبِيُّ هؤلاء الأُمِيِّينَ!
فهل بعد هذين التفسيرين من تناقض!
إنما ينقذنا من هذا الهذيان وضوح النص القرآني، فهو أصرح مِنْ أنْ يُؤَوَّلَ، ولفظ «الأُمِيِّ» فيه سواء أكان وصفًا للعرب أم لِلْنَّبِيِّ - صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ - لا يعني إلاَّ الذي يجهل القراءة والكتابة، وهو ما فهمه جمهور المُفَسِّرِينَ وما عليه علماء الأُمَّةِ إلى يومنا هذا (١). وحِينَئِذٍ لا يكون في وصف العرب «بِالأُمِيِّينَ» غُلُوٌّ في جهلهم الكتابة، إذ الأُمِيَّةُ بهذا المعنى كانت غالبة على كثرتهم، وإنما يكون الغُلُوُّ يَقينًا فِي ادِّعَاءِ كثرة الكتابة وأدواتها بين العرب، وفي الزعم القائل إنهم لم يجهلوا الكتابة بل جهلوا شريعة الله، لأنَّ أَحَدًا مِنَ البَاحِثِينَ لم يأت ببرهان على هذا الرأي العقيم.