للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإذا كان الحاكم - على حد تعبيره - لا يحكم لبعض تلك الأسانيد التي ذكرها بالصحة، فإن بعضها الآخر لا بد أن يكون حكمه عليها أوفر حَظًّا من الصحيح أو التحسين، وهو بذلك يشير إلى نوع من التسلسل تستدعيه حالة الرواة الضابطين، الذين ثبت لهم الضبط فعلاً، فأدوا جميعًا روايتهم كما تحملوها بعبارات مماثلة كسمعت أو حدثنا أو أخبرنا حتى يصل الحديث مسلسلاً بالعبارة نفسها إلى رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فمثل هذا التسلسل في الألفاظ الدالة على صور الأداء ممكن الوقوع، أو هو- على الأقل - أكثر إمكانًا من تماثل ألفاظ الرواية نفسها أو أفعالها لدى الرواة. مثال ذلك قول الحاكم: «سَمِعْتُ أَبَا [الحُسَيْنَ] بْنُ عَلِيٍّ الحَافِظُ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ سَالِمٍ الأَصْبَهَانِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ يَحْيَى بْنَ حَكِيمٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَهْدِيٍّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا عَوْنٍ الثَّقَفِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ شَدَّادٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: " الوُضُوءُ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ " قَالَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِمَرْوَانَ أَوْ ذُكِرَ لَهُ، فَأَرْسَلَ أَوْ أَرْسَلَنِي إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَحَدَّثَتْنِي، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " كَانَ يَخْرُجُ إِلَى الصَّلاةَ، فَانْتَشَلَ عَظْمًا أَوْ أَكَلَ كَتِفًا، ثُمَّ صَلَّى، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ» (١).

ومن المسلسل الصحيح مسلسل الحفاظ، وهو مما اتفقت فيه صفات الرواة، وكل واحد منهم قد بلغ درجة الحفظ، فهذا النوع من المسلسل مما يفيد العلم القطعي (٢).


(١) " معرفة علوم الحديث ": ص ٣٠.
(٢) " التدريب ": ص ١٩٥.