للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

غريب ما يرويه الخطيب في هذا الباب عن أبي موسى محمد بن المثنى العَنزي أنه قال يومًا يفخر بقبيلته: نحن قوم لنا شرف، نحن من عَنَزَةَ. قد صلى النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلينا!»، لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى إِلَى عَنَزَةَ، توهم أنه صلى إلى قبيلتهم، وإنما العَنَزَةُ التي صلى إليها النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هي حَرْبَةً كانت تُحْمَلُ بن يديه فَتُنْصَبُ فيصلي إليها! (١).

ولقد يشكل على كثيرين أن يُسْلَكَ المصحف في القسم المشترك بين الصحيح والحسن والضعيف رغم الضعف الظاهر الذي يكاد يطبعه في جميع صوره، فأقل ما يفترضه الباحث فيه أنه يجب أن يكون خالصًا للضعف، إن لم يحكم بأنه موضوع.

وخطأ هذا الافتراض يبدو بكل وضوح منذ البداية، فإنه يقوم على اعتقاد فاسد خلاصته أن المصحفين يُمْنَعُونَ من تحريف الصحيح والحسن، ويؤذن لهم بالتلاعب كما يريدون بالضعيف الواهي من الروايات، وهذا مما يكذبه الواقع، فإن المصحفين لم يكتفوا بجميع أنواع الحديث يحرفونها، بل بلغت الصفاقة ببعضهم حَدًّا لا يطاق حين طوعت لهم أنفسهم التصحيف في كتاب الله. وكما يمتاز القرآن المتواتر من تلك التصحيفات فلا يلتبس بها قط، يمتاز منها الحديث أيضًا صحيحًا وحسنًا وضعيفًا، فيقال: هذا صحيح ولكن صحفه فلان، وهذا حسن وقع فيه تصحيف، كما يقال: هذا ضعيف، صُحِّفَ أَمْ لَمْ يُصَحَّفْ. وبعد، فقد تمت بدراسة «المصحف» المصطلحات العشرون المشتركة بين الصحيح


(١) " الجامع ": ٤/ ٦٣ وجه ١.