للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأحاديث على رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَرْغِيبًا للناس في صالح الأعمال، كأن هذه الثروة التي لا يدرك البيان وصفها من أقواله - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - ونوابغ حِكَمِهِ وَجَوَامِعِ كَلِمِهِ لم تكفهم ولم تشف صدورهم. واشتغال هؤلاء بالعبادة، واشتهارهم بالزهد والعفة، يحمل العامة على الاغترار بما يختلقونه، فخطرهم من هذه الناحية أشد هَوْلاً مما نتصور. ولقد شَوَّهُوا بجهلهم وجه الإسلام، وأدخلوا في تعاليمه ما ليس منه. قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ القَطَّانَ: «مَا رَأَيْتُ الكَذِبَ فِي أَحَدٍ أَكْثَرَ مِنْهُ فِيمَنْ يُنْسَبُ إِلَى الخَيْرِ [وَالزُّهْدِ]» (١).

ولو ذهبنا نستقصي ما افتراه الوضاعون ونسبوه إلى رسول اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما أمكننا إحصاؤه، فالزنادقة وحدهم وضعوا- كما قال حماد بن زيد - أربعة عشر ألف حديث (٢)، وَعَبْدُ الكَرِيمِ بْنُ أَبِي العَوْجَاءِ (٣) وَضَعَ وَحْدَهُ - بِاعْتِرَافِهِ - أَرْبَعَةَ آلاَفِ حَدِيثٍ، فَإِنَّهُ لَمَّا أُخِذَ لِتُضْرَبَ عُنُقُهُ فِي خِلاَفَةِ المَهْدِيِّ صَاحَ قَائِلاً: «لَقَدْ وَضَعْتُ فِيكُمْ أَرْبَعَةَ آلاَفِ حَدِيثٍ، أَحَرِّمُ فِيهَا الحَلاَلَ وَأُحَلِّلُ الحَرَامَ!»


(١) " التوضيح ": ٢/ ٧٨. ولقد وجد المستشرق نولدكه في مثل هذه العبارة مادة صالحة للتعليق والتعقيب، مع أنها تشير إلى دقة المقاييس عند رجال الحديث، انظر: Geschischte des Coran. p. XXII
(٢) " التدريب ": ص ١٠٣.
(٣) وهو خال معن بن زائدة الشيباني الأمير المعروف. وقد ضرب عنقه محمد بن سليمان بن علي أمير مكة. قال الذهبي في " الميزان " في ترجمة عبد الكريم هذا: «زِنْدِيقٌ مُبِينٌ». قارن بـ " التوضيح ": ٢/ ٧٥. ومثله في الزندقة والافتراء محمد بن سعيد بن حسان الأسدي الشامي المصلوب فإنه وضع كذلك أربعة آلاف حديث. ومن الأحاديث التي وضعها ما حكاه عنه الحاكم أبو عبد الله: أَنَّهُ رَوَى عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، مَرْفُوعًا: «أَنَا خَاتِمُ النَّبِيِّينَ، لاَ نَبِيَّ بَعْدِي إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ». قال الحاكم معقبًا ومفسرًا: «وَضَعَ هَذَا الاِسْتِثْنَاءَ، لِمَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنَ الإِلْحَادِ، وَالزَّنْدَقَةِ، وَالدَّعْوَةِ إِلَى [التَّنَبِّي]». انظر " التدريب ": ص ١٠٣.