للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعدوا من صور العلو النسبي تقدم وفاة الراوي وإن تساويا في العدد، وتقدم السماع، وَنَبَّهُوا على أن المدنيين إذا رَوَوْا عن الكوفيين زلقوا، وعلى أن حد السماع خضع لاعتبارات إقليمية، وعلى أن أكثر المحدثين تدليسًا أهل الكوفة ونفر يسير من أهل البصرة، ولاحظوا أثر المذاهب التي كان لها في بعض العصور والبيئات أنصارًا متحمسون، فكثيرًا ما يكون ذلك سببًا في الحكم بالوضع على مثل هذه الأحاديث، ورأوا إلحاق تدليس البلاد بتدليس الشيوخ، لأن فيه ادعاء رؤية أماكن لم يتح للراوي مشاهدتها.

ومقياس المحدثين نفسي اجتماعي، فحديث الهريسة موضوع، وضعه محمد بن الحجاج اللخمي وكان صاحب هريسة (١) ومثله حديث «مُعَلِّمُو صِبْيَانِكُمْ شِرَارُكُمْ ... !» فقد وضعه سعد بن طريف لما ضربوا ابنه.

وحديث دخوله - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - حَمَّامًا بِالجُحْفَةِ موضوع باتفاق الحفاظ (٢) لأنه لم يكن على زمانه - صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ - حمامات.


= شهادة سعد بن معاذ، وسعد توفي قبل ذلك في غزوة الخندق، وفيه كتابة معاوية بن أبي سفيان، وهو إنما أسلم زمن الفتح، والجزية إنما نزلت بعد عام تبوك، وفيه أنه - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - وضع عنهم الكلف والسخر ولم يكن في زمان النبي كلف ولا سخر ولا مكوس. قارن بـ " اللؤلؤ المرصوع فيما لا أصل له أو بأصله موضوع " للقاوقجي.
ومن أجود ما كتب في هذا الباب رسالة الدكتور مصطفى السباعي " السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي "، وهي الرسالة التي تقدم بها لنيل شهادة العالمية من درجة أستاذ في الأزهر، وقد تفضل الزميل الكريم بإطلاعي على رسالته هذه قبل أن تطبع، وكنت في طبعتي الأولى لكتابي هذا قد أشرت في هذا الموضوع إلى عدم تمكني من قراءة رسالة الدكتور السباعي إلا والملازم الأخيرة من كتابي ماثلة للطبع، وذكرت أن الأستاذ وعد بطبع رسالته، وقد طبعت فعلاً وأتيح لي الاطلاع عليها والإفادة منها.

(١) انظر " تذكرة الموضوعات " للفتني: ص ١٤٥.
(٢) " اللؤلؤ المرصوع ": ص ٣٥.