للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في التشريع شيئًا فضلاً على استقلالها بالتشريع، أحلنا أصحاب هذه الشبهة على القرآن نفسه الذي يشيد بطاعة الرسول، ويحذر- من مخالفته، ولا يفرق في ذلك بين ما فَسَّرَهُ النبي من القرآن وما أمر به في سنته أمرًا مستقلاً، فهو الذي يقول بلهجة الإنذار: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ} (١)، وبهذه يخصه بشيء يطاع فيه ولايعصى، وهو سنته التي جاء بها ولم تكن من القرآن ولا أتت في القرآن. ويشبه هذا ما أمر الله به المؤمنين من رد النزاع إلى الله ورسوله في قوله: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ} (٢) وإنما يكون الرد إلى الله رجرعا إلى الكتاب، ولا يكون الرد إلى الرسول إلا رجوعًا إلى سنته بعد وفاته - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -.

وَلْتَرْجَعْ السُنَّةُ بعد هذا إلى القرآن بمدلولاتها التفصيلية كلها، فان أحدًا من أهل العلم لا يخالف في أن العمل بما جاءت به السنة هو عمل بالقرآن، لأن القرآن هو الذي دل على وجوب العمل بالسنة، ولأن القرآن أعم والحديث أخص ولا بد أن يشتمل الأعم بكلياته على الأخص بجزئياته، وما بين القرآن والحديث من اتفاق في الأصول لا ينفي ما تفرد الحديث بتشريعه أو توضيحه حتى من تلك الأصول، فإنما جعل الله رسوله إمامًا، وسنته قدوة، وهديه النبوي أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرًا.


(١) [سورة النور، الآية: ٦٣].
(٢) [سورة النساء، الآية: ٥٩].