للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قوة ودرجة وإشعارًا باليقين. فلا عجب إذا قال أكثر الأئمة: إن الحسن كالصحيح في الاحتجاج به، فعليه - كما ذكر الخطابي - «مَدَارُ أَكْثَرِ الحَدِيثِ، لأَنَّ غَالِبَ الأَحَادِيثِ لاَ تَبْلُغُ دَرَجَةَ الصَّحِيحِ، وَعَمِلَ بِهِ عَامَّةُ الفُقَهَاءِ، وَقَبِلَهُ أَكْثَرُ العُلَمَاءِ» (١).

بيد أن الذي ينحى عن مدار الاحتجاج، مَكَانًا قَصِيًّا، هو الضعيف بجميع أضربه وصوره، وذلك أمر طبيعي لا يحتاج إلى التفسير، فإن أنواع الضعيف كلها تثير الريبة، سواء أكانت آفتها في المتن أم في الإسناد، ولسنا براجعين كرة أخرى إلى جميع ما وصفناه من المصطلحات الخاصة للضعف لكشف اللثام عن سر الضعف في كل منها على حدة، فما غادرنا مصطلحًا منها إلا ختمناه بالحديث عن المانع الجوهرى من الاحتجاج به، وإنما نود هنا أن نذكر القارئ بالروح النقدي المنهجي الذي ساد أبحاث المحدثين، فحال دون اعتبار أي لون من الضعف، مهما يكن يسيرًا، مصدرًا لحكم شرعي ولا لفضيلة خلقية، على التحقيق (٢). ونود أيضًا أن يظل القارئ على ذكر من اصطلاحات النقاد في التعديل والجرح، وكونها في الجرح أشد منها في التعديل (٣)، ليستيقن أن تلك المقاييس النقدية الدقيقة جعلت جرح الرواة جائزًا بل واجبًا (٤) لتصحيح الحديث الذي يؤخذ به، ولتنقيته من كل شائبة، فما يكون صالحًا للاحتجاج إلا الحديث الذى ثبتت نسبته إلى رواته الصالحين، وأدرك كل من رواه أن هذا الأمر دين!


(١) قارن بـ " قواعد التحديث ": ص ٨٧ (بيان كون الحسن حجة في الأحكام).
(٢) اقرأ بإمعان بحثنا السابق (رواية الأحاديث الضعيفة والعمل بها) ص: ٢١٠ - ٢١٤.
(٣) أوضحنا ذلك في فصل (شروط الراوي ومقاييس المحدثين) ص: ١٢٦ - ١٤٠.
(٤) " شرح صحيح مسلم " (للنووي): ص ٦٠.