للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نفسه على التصريح بكل منهما مخافة أن يلفظ بغير لفظ النبي - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -! (١).

ومن الأئمة من تشدد في منع الرواية بالمعنى في الحديث المرفوع إلى النبي، وإنما كانوا يتساهلون في الموقوف على الصحابي، والمقطوع عند التابعي، لأنهم كانوا يعتقدون أن التحفظ الكامل ينبغي أن يكون في حديث رسول الله نفسه، لما له من مكانة في التشريع (٢).

وقد رأينا كيف منع بعض المحققين من العلماء غير الصحابة من رواية الحديث بالمعنى، وإن استوفوا مراد الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لدى تبديل لفظه بمرادفه، وعقلوا هذا بأن الإباحة لو أطلقت لما كان أحد على ثقة من الأخذ بالحديث (٣)، ولا ريب أن فرص الرواية على المعنى - بعد هذا التشدد كله، وهذا التضييق من كل جانب - أمست قليلة بل نادرة الوقوع، وأن هذا الضرب من الرواية - على فرض وقوعه - كان مقصورًا بعد عصر التدوين على العالم بالنحو والصرف العارف بمدلولات الألفاظ ومقاصدها، القادر على أداء الحديث خاليًا من اللحن فإن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يكن يلحن، فمن روى عنه شيئًا ولحن فيه كذب عليه، وتبوأ مقعده من النار (٤).


(١) كما في حديث سعد بن أبي وقاص: وقال - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -: «الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ» - أَوْ كَبِيرٌ -، فالراوي لشكه يثبت اللفظ بالثاء المثلثة والراء الموحدة. (انظر " دليل الفالحين ": ١/ ٤٦). ومثله حديث أبي مالك الحارث بن عاصم الأشعري الذي أوله قوله - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -: «الطَّهُورُ شَطْرُ الإِيمَانِ». فإن فيه بعد ذلك «وَسُبْحَانَ اللهِ وَالحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلآنِ - أَوْ تَمْلأُ - مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ». فقد شك الراوي هل العبارتان كلتاهما تملآن - بالتثنية - أم تعدان عبارة واحدة (تَمْلأُ) بالإفراد، فأثبت الراوي اللفظين ورعًا واحتياطًا (" دليل الفالحين ": ١/ ١٣٠).
(٢) كما نقل البيهقي في " مدخله " عن الإمام مالك. وانظر " الباعث الحثيث ": ص ١٥٨.
(٣) راجع ص ٨٤.
(٤) قارن بـ " اختصار علوم الحديث " (لابن كثير): ص ١٩٢.