ورسوله الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هو الذي كناه (أبا هريرة) يوم شاهده يحمل هرة صغيرة ولكن هذه الكنية التي سماه بها رسول الله على سبيل التحبب غلبت عليه، حتى بات من النادر أن يطلق عليه أحد اسمه الحقيقي (عبد الرحمن بن صخر). وهو دَوْسِيٌّ، يرجع نسبه إلى بطن من الأزد هم بَنُو دَوْسِ بْنِ عَدْنَانَ.
أسلم - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - عنه في السَّنَةِ السَّابِعَةِ للهجرة، عام خيبر، وتوفي بالعقيق عام ٥٧ هـ على الراجح. وكان عريف أَهْلَ الصُفَّةِ الذين كانوا منقطعين إلى العبادة في مسجد النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (والصفة موضع مُظَلَّلٌ في المسجد، كان يأوي إليه أولئك الزهاد). وقد استجاب الله دعاء النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - له بالحفظ، فكان بين الصحابة أكثرهم حفظًا. أخرج الشيخان والترمذي عنه أنه قال: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَسْمَعُ مِنْكَ أَشْيَاءَ فَلاَ أَحْفَظُهَا، قَالَ:"ابْسُطْ رِدَاءَكَ" فَبَسَطْتُ، فَحَدَّثَ حَدِيثًا كَثِيرًا، فَمَا نَسِيتُ شَيْئًا حَدَّثَنِي بِهِ».
وأبو هريرة - على ورعه وتقواه وزهده - كان مَرِحًا يحب الدعابة، ويطرب للنكتة، فإذا مر بصبيان أضحكهم، وإذا التقى بالناس في الأسواق قَصَّ عليهم ما يسليهم. ولكنه إذا خَلاَ إلى نفسه تَهَجَّدَ طيلة الليل، خَاشِعًا مُتَبَتِّلاً.
كان عاملاً على البحرين في عهد عمر بن الخطاب، إلا أن عمر عزله بعد ذلك. ويقال: ان علي بن أبي طالب أراد في خلافته أن يستعمله فأبى عليه، ثم ولاه معاوية إمارة المدينة. ويبدو أن عمر - على عادته في التشدد في الرواية عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنكر عليه كثرة رواياته وقال له: «لَتَتْرُكَنَّ الحَدِيثَ [عَنِ رَسُولِ اللَّهِ] أَوْ لأُلْحِقَنَّكَ بِأَرْضِ