وقد ألف مالك " الموطأ "، وأراد المنصور أن يحمل الناس عليه، ولكن مالكا أبى، كما أشرنا إلى ذلك في موضع آخر. وقد استغرق تأليفه " الموطأ " أَرْبَعِينَ سَنَةً عرضه خلالها على سبعين فقيهًا من فقهاء المدينة، وقد جمعه من مائة ألف حديث. وروى " الموطأ " عنه أكثر من ألف رجل، ولذلك اختلفت نسخه فكانت ثلاثين لم يشتهر منها إلا عشرون، واشهرها رواية يحيى بن يحيى الليثي الأندلسى المصمودي.
وبعض العلماء كان يرى ان أصول الحديث سبعة، هي " الكتب الستة " ومعها " الموطأ "، ويجعل بعضهم بَدَلاً مِنْهُ " سنن الدارمي ". ويقول ابن حزم في وصف هذا الكتاب العظيم:«وهو كتاب في الفقه والحديث، ولا أعلم نظيره».
وليست أحاديث " الموطأ " كلها مسندة، بل فيه المرسل والمعضل والمنقطع وغير ذلك. وقد أحصى بعض العلماء فيه (٦٥٠) حديث مسند، و (٢٢٢) حديثًا مرسلاً، و (٦١٣) موقوفًا، و (٢٨٥) قولاً للتابعين، كما ذكروا أن جميع ما فيه من قوله:«بَلَغَنَا»، وقوله:«عَنْ الثِّقَةِ» من غير أن يسنده (٦١) لكنها مسندة من طرق أخرى غير طريق مالك نفسه. ولذلك تصدى ابن عبد البر النمري إلى تأليف كتاب حاول به أن يصل ما في " موطا مالك " من الأحاديث المرسلة والمنقطعة والمعضلة.
روى مالك عن نُعيم المُجْمِرْ، وزيد بن أسلم، ونافع، وشُريك بن عبد الله، والزهري، وأبي الزناد، وسعيد المُقْبِِرِي، وحُميد الطويل. وكان خاتمة أصحابه حُذَافَةُ السهمي الأنصاري.