للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المَصَاحِفِ» (١) مع أنه حين لا موضع للخوف أملى على الناس مناسك الحج (٢).

وإذا كان أوساط التابعين قد بدؤوا يحذرون وضع الوَضَّاعِينَ فإن أواخر التابعين أمسوا يصادفون كَثِيرًا من نماذج الوَضَّاعِينَ وصور وضعهم تَأْيِيدًا لِلْفِرَقِ وَالشِِّيعِ المختلفة، فقد أمسى لِزَامًا أَنْ يشيع التدوين وينتشر في عصرهم حِفْظًا لِلْنُّصُوصِ النَّبَوِيَّةِ من عبث العابثين. وميزة التدوين في هذا العصر أنَّ الحديث كان ممزوجًا غالبًا بفتاوى الصحابة والتابعين: كما في " موطأ مالك " إمام المدينة (- ١٧٩).

وفي عصر أتباع التابعين، مِمَّنْ كانوا على رأس المائتين، عُنِيَ العلماء بتأليف المسانيد خالية من فتاوى الصحابة والتابعين، مقصورة على السُنَّة النَّبَوِيَّةِ وحدها. وأول من ألَّفَ تلك المسانيد أبو داوود الطيالسي (- ٢٠٤ هـ) (٣). ويعتبر " مسند أحمد بن حنبل " (- ٢٤١ هـ) أوْفَى تلك المسانيد وأوسعها، إلاَّ أنَّ هذا الإمام معدود من أتباع التابعين لأنَّ وفاته بعد العشرين والمائتين.

وَلَمْ تُدَوَّنْ السُنَّةُ الصحيحة وحدها مُرَتَّبَةً على الأبواب إلاَّ في عصر أتباع أتباع التابعين مِمَّنْ عاصر البخاري. وفي هذا العصر ألفت الكتب الستة الصحيحة. وسندرس ما يتعلق بها وبأصحابها (البخاري ومسلم والترمذي وأبي داوود، وابن ماجه والنسائي) في فصل «أَهَمِّ كُتُبِ الرِّوَايَةِ».

أما المُتَأَخِّرُونَ عن عصر الرواية فيكون عملهم - في نهاية المطاف - تهذيباً وشرحاً واختصاراً للكتب الصحيحة المشهورة، فيجمع أبو عبد الله


(١) " تقييد العلم ": ص ٤٧.
(٢) " جامع بيان العلم ": ١/ ٧٢.
(٣) وقد طبع هذا المسند في حيدر آباد بالهند سَنَةَ ١٣٢١ هـ.