لا مفرَّ من تحقيق النصوص في تصنيف يتعلق بعلوم الحديث، فما كان لكتابنا أن يستوفي أهم المباحث التي ينشدها المختصون لولا عكوفنا على أمهات المخطوطات في هذه العلوم، ننقلها بأمانة، وَنُلَخِّصُهَا بدقة، ونجمع شتاتها في كتاب واحد يضمها بين دفتيه. ومن المعلوم أَنَّ المكتبة الظاهرية بدمشق من أغنى مكتبات العالم في الحديث وعلومه ومصطلحه، وقد أتيح لنا أن نَطَّلِعَ على الكثير من أمهاتها المخطوطة، وفي حواشي كتابنا ما يشير إلى شدة تعويلنا عليها، كما أَنَّ في «جريدة المراجع» سَرْدًا لأسمائها وَوَصْفًا وَاضِحًا لها.
غير أَنَّا لم نقف عند النقل الأمين. والتلخيص الدقيق، فقد درسنا آثار السلف في علوم الحديث دراسة تاريخية تحليلية، وَوَازَنَّا بين مؤلفيها وآرائهم من غير أن نشغل القارئ بالعقيم من جدلهم، وحاولنا أن نستخلص المقاييس النقدية التي نادوا بها من خلال المصطلحات الكثيرة المتفرقة في النفيس النادر من تصانيفهم.
ليس هذا الكتاب إذن تَلْخِيصًا أَوْ اخْتِصَارًا، بل هو عرض ودراسة، ولم يكن يضيرنا لو كان تَلْخِيصًا بَحْتًا أن نُصَرِّحَ بِهِ، فإنه ليشرفنا أن نكون في «علوم الحديث» عالة على نُقَّادِنَا العُظَمَاءِ، وسلفنا الطاهرين، الذين ملأوا الأرض عِلْمًا بِسُنَّةِ رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَإِنَّ طبيعة الموضوع أَيْضًا لتفرض علينا وعلى غيرنا من البَاحِثِينَ فيه التعويل على النقل والتلخيص، إذْ ما عسى أن يضيفه اليوم أحدنا إلى تلك الأصول المؤصلة والقواعد المُقَرَّرَةِ، والمناهج الواضحة التي وضعها قادة الدنيا وسادة