للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مُحَدِّثُ مِصْرَ إِلاَّ ابْنَ لَهِيعَةَ» وَلَكِنَّ هذا الإمام الكبير المُحَدِّثَ لا يلبث أنْ يُرْمَى بالتساهل في نظر الذهبي نفسه فيقول: «يُرْوَى حَدِيثُهُ فِي المُتَابَعَاتِ وَلاَ يُحْتَجُّ بِهِ» (١) ويقول: «وَلَمْ يَكُنْ عَلَى سَعَةِ عِلْمِهِ باِلمُتْقَنِ» (٢)، ذلك بأنَّ ابن لهيعة - كما يقول الخطيب البغدادي - «وَكَانَ يَتَسَاهَلُ فِي الأَخْذِ , وَأَيَّ كِتَابٍ جَاؤُوهُ بِهِ حَدَّثَ مِنْهُ , فَمِنْ هُنَاكَ كَثُرَتِ المَنَاكِيرُ فِي حَدِيثِهِ» (٣). قال يَحْيَى بْنَ حَسَّانَ: «جَاءَ قَوْمٌ , وَمَعَهُمْ جُزْءٌ , فَقَالُوا: سَمِعْنَاهُ مِنِ ابْنِ لَهِيعَةَ , فَنَظَرْتُ , فَإِذَا لَيْسَ فِيهِ حَدِيثٌ وَاحِدٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ لَهِيعَةَ , فَجِئْتُ إِلَى ابْنِ لَهِيعَةَ فَقُلْتُ: هَذَا الَّذِي حَدَّثْتَ بِهِ لَيْسَ فِيهِ حَدِيثٌ مِنْ حَدِيثِكَ , وَلاَ سَمِعْتَهَا أَنْتَ قَطُّ؟ , فَقَالَ: مَا أَصْنَعُ؟ يَجِيئُونِي بِكِتَابٍ فَيَقُولُونَ: هَذَا مِنْ حَدِيثِكَ , فَأُحَدِّثُهُمْ بِهِ» (٤).

ولا ريب أنَّ كَثِيرًا من المبالغات تحف أخبار الرحَّالين، وإنْ كان لا بُدَّ أنْ يكون لها في أصلها سندٌ صحيح. فهذا حجاج بن الشاعر يقول: «جَمَعَتْ لِي أُمَّي مِائَة رَغِيفٍ فَجَعَلَتْهَا فِي جِرَابٍ، وَانْحَدَرْتُ إِلَى شَبَابَة بِالمَدَائِنِ، فأقمتُ بِبَابِهِ مِائَة يَوِمٍ، كُلَّ يَوْمٍ أَجِيءُ بِرَغِيفٍ فَأَغْمِسُهُ فِي دِجْلَةَ فَآكُلُهُ، فَلَمَّا نَفِدَتْ خَرَجْتُ» (٥). وهذا أحمد بن الفرات (٦) يخبر بنفسه بأنه «كَتَبَ عَنْ أَلْفٍ


(١) " تذكرة الحفاظ ": ١/ ٢٣٩.
(٢) " تذكرة الحفاظ ": ١/ ٢٣٨.
(٣) " الكفاية ": ص ١٥٢.
(٤) المصدر نفسه، والصفحة ذاتها.
(٥) " طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى ص ١٠٦ (بتحقيق أحمد عبيد، مطبعة الاعتدال بدمشق، سنة ١٣٥٠ هـ).
(٦) هو الحافظ الحُجَّة أبو مسعود الرازي مُحَدِّثُ أصبهان وصاحب التصانيف. تُوُفِّيَ سَنَةَ ٢٥٨ هـ.