للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم بيعها بأغلى الأثمان. والطريقة التي وصل بها العلماء إلى أحاديث علي بن الجعد (- ٢٣٠ هـ) تُوَضِّحُ لنا الكثير من فلسفة المتاجرين بالحديث في تلك الأيام: «قال أبو الفضل بن طاهر المقدسي: سمعت أبا القاسم هبة الله بن عبد الوارث الشيرازي صاحبنا يقول: دخلت بغداد وسمعتُ ما قدرت عليه من المشايخ، ثم خرجت أريد الموصل، فدخلت صريفين فَبَتَّ في مسجد بها، فدخل أبو محمد الصريفيني وَأَمَّ النَاسَ فتقدَّمتُ إليه وقلتُ له: سمعتَ شيئاً من الحديث؟ فقال: كان أبي يحملني إلى أبي حفص الكتاني وابن حَبَّابَةَ وغيرهما، وعندي أجزاء. قلتُ: أخرجها حتى أنظر فيها، فأخرج إليَّ حزمة منها كتاب عَلِيٍّ بن الجعد بالتمام مع غيره من الأجزاء، فقرأته عليه، ثم كتبت إلى أهل بغداد فرحلوا إليه وأحضره الكبراء من أهل بغداد، فكل من سمعته من الصريفيني فالمِنَّةُ لأبي القاسم الشيرازي فلقد كان من هذا الشأن بمكان» (١).

وتنصرم الأعوام، وتتعاقب الأجيال، وإذا بتلك الرحلات العلمية في طلب الحديث تصبح ضرباً من الرحلات الرياضية يطلب بها بُعْدُ الصِّيتِ، فكان بعض من لا خلاق لهم يرحلون إلى اقصى الأقاليم لا ليحفظوا الأحاديث ويعملوا بما فيها بل لتظهر أسماؤهم في سلسلة الإسناد، ولا سيما فيما لم يكن مشهوراً من الأحاديث. وهذه الرحلات الرياضية - إنْ صحَّ التعبير - كثرت في القرن الهجري الثالث، وانتهى إلى أسوأ النتائج في القرن الهجري الخامس،


(١) " معجم البلدان " لياقوت: ٣/ ٣٨٥.