للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالإِجَازَةِ، وَلاَ [يُمَيِّزُ] بَيْنَ المُسْنَدِ وَالمُرْسَلِ وَالمَقْطُوعِ وَالمُتَّصِلِ، وَلاَ يَحْفَظُ اسْمَ شَيْخِهِ الَّذِي حَدَّثَهُ حَتَّى يَسْتَثْبِتَهُ مِنْ غَيْرِهِ، وَيَكْتُبُونَ عَنِ الْفَاسِقِ فِي فِعْلِهِ، الْمَذْمُومِ فِي مَذْهَبِهِ، وَعَنِ الْمُبْتَدِعِ فِي دِينِهِ، الْمَقْطُوعُ عَلَى فَسَادِ اعْتِقَادِهِ، وَيَرَوْنَ ذَلِكَ جَائِزًا، وَالْعَمَلُ بِرِوَايَتِهِ وَاجِبًا، إِذَا كَانَ السَّمَاعُ ثَابِتًا، وَالإِسْنَادُ مُتَقَدِّمًا عَالِيًا ... » إلخ (١).

ولم يكن التظاهر بالورع مُجدياً، ولا الإكثار من التعبد شافعاً لرواة الغرائب والمناكير، فإنَّ لنقاد الحديث حَدْساً داخلياً يشبه الإلهام كان يبعثهم على الحيطة في روايات هؤلاء المغْربين والاحتراس في قبولها، وقد يبلغ بهم الحذر أشُدَّهُ فيفرُّون منها ويرفضون تحمُّلها وأداءها: لم يردوارواية معلَّى بن هلال لفسقه أو قلَّة ضبطه، فهو الزاهد العابد المشهور بالصلاح، الذي كان يُصَلِّي في يومه مائة ركعة، وإنما رَدُّوها لإكثاره من رواية غريب الحديث (٢). ولقد أمسى هؤلاء النُقَّادُ يستحبُّون رواية المشاهير، و «كَانُوا يَكْرَهُونَ - إِذَا اجْتَمَعُوا - أَنْ يُخْرِجَ الرَّجُلُ أَحْسَنَ حَدِيثِهِ أَوْ أَحْسَنَ مَا عِنْدَهُ» (٣) وما كان «الأحسن» عندهم إلاَّ «الغريب» لأنَّ الغريب غير المألوف يستحسن أكثر من المشهورالمعروف (٤)، ولا سيما في نظر العوامِّ الذين يكبر في عيونهم عادة ما يجهلون.


(١) " الكفاية ": ص ٣ و ٤.
(٢) " الجامع لأخلاق الراوي ": ٧/ ١٢٧ وجه أول. وعبارة الخطيب: «مَا أَفْسَدَهُ عِنْدَ النَّاسِ إِلاَّ رِوَايَةُ غَرِيبِ الْحَدِيثِ».
(٣) " الجامع ": ٧/ ١٢٧ وجه ٢.
(٤) " الجامع ": ٧/ ١٢٧ وجه ٢ أَيْضًا.